قَالَ أَبو المُطَرِّفِ: سَمِعْتُ بَعْضَ الفُقَهَاءِ يَقُولُ: "مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على حَاجمٍ ومَحْجُومٍ وَهُمَا يَغْتَابَانِ رَجُلاً، فقالَ - عليهِ السَّلاَمُ -: أَفْطَرَ الحَاجِمُ والمَحْجُومُ" (١)، ولِهَذا قالَ سُفْيَانُ: (إنَّ الغِيبَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ) (٢).
قَالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا كُرِهَتِ الحِجَامَةُ للصَّائِمِ خِيفَةَ التَّغْرِيرِ بالصَّائِمِ، لِئَلَّا يُمْنَعَ المُحْتَجِمُ أَو يَضْعُفَ (٣)، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لإفْطَارِه، فإذا احْتَجَمَ وسَلِمَ لَمْ يَكُنْ بهِ بَأْسٌ.
قَالَ أَبو المُطَرِّفِ: روَى سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ الذينَ كَانُوا بِها يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: في هَذا اليوم أَظْهَرَ اللهُ مُوسَى على فِرْعَون، فَنَحْنُ نَصُومهُ تَعْظِيماً لَهُ، فقالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم، فَصَامَهُ وأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قالَ: مَنْ شَاءَ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، ومَنْ شَاءَ تَرَكَهُ" (٤).
قَالَ أَبو المُطَرِّفِ: صِيَامُ يومَ عَاشُورَاءَ مُرَغَبٌ فيهِ، ولَا يُصَامُ إلَّا بِتَبيِّتٍ كمَا لا يُصَامُ رَمَضَانُ إلَّا بِتَبيِّتٍ.
* وقَدْ أَمَرَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ الحَارِثَ بنَ هِشَامٍ أَنْ يَصُومَهُ هُوَ وأَهْلُهُ وأَمَرَهُ أَنْ يُبيتَ الصِّيَامَ ١٠٥٤.
قالَ أَبو عُمَرَ: مَنْ كَانَتْ لهُ نيّهٌ في صِيَامِ يومِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ ذَلِكَ اليومِ نَسِيَ أَنْ يُبيِّتَ الصِّيَامَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَيْلَةُ يومِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا
= / ٢٦٣، بإسنادهم إلى أيوب به.
(١) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٢/ ٩٩، وذكره ابن حجر في الفتح ٤/ ١٧٨، وضعفه.
(٢) لم أجده عن سفيان، وإنما ورد هذا القول مرفوعا، ولكنه ضعيف، ينظر: نصعب الراية ٢/ ٤٨٢.
(٣) لعله يريد: لئلا يعرض نفسه للهلكة والضعف.
(٤) رواه البخاري (١٩٠٠)، وابن ماجه (١٧٣٤)، وأحمد ١/ ٢٣١، بإسنادهم إلى سعيد بن جبير به.