في دَفْنِ المَيّتِ، والوُقُوفِ للجَنَائِزِ،
وتَرْكِ البُكَاءِ على المَيِّتِ
لمَّا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ مَوْتهِ في صِفَةِ قَبْرِهِ، هَلْ يُلْحَدُ أَم يُشَقُّ، ولَمْ يَكُنْ عِنْدَهُم في صِفَةِ ذَلِكَ عِلْمٌ مِنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - اصْطَلَحُوا على أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم أَوَّلَ رَجُلِ مِمَّن يَحْفُر القُبُورَ عَمَل عَمِلَهُ، دَخَلَ أبو طَلَحْةَ الأَنْصَارِيُّ، وَهُو الذي كَانَ يَلْحَدُ بالمَدِينَةِ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وكَانَ أَبو عُبَيْدةَ بنُ الجَرَّاحِ يَحْفِرُ القُبُورَ شِقًّا, وهَكَذا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ بِمَكَّةَ، تَشُق وَسَطَ القَبْرِ شِقًا، يُجْعَلُ فيهِ المَيِّتُ.
وقالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعَيُّ: (اللَّحْدُ لَنا، والشِّقُّ لأَهْلِ الكِتَابِ) (١)، وَصِفَةُ اللَّحْدِ أَنْ يُحْفَرَ في قِبْلَةِ القَبْرِ حَيْثُ يُوضَعُ المَيِّتُ على جَنْبِه الأَيْمَنِ، ووَجْهُهُ إلى القِبْلَةِ.
* قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ: (مَا صَدَّقتُ بمَوْتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتَّى سمِعْتُ بِوَقْعِ الكَرَازِينِ) ٧٩٢، يعنِي: أنَّها لَمَّا سَمِعَت بِوَقْعِ المَحَافِرِ في الأَرْضِ حِينَ حُفِرَ قَبْرُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِمَتْ أَنَّهُ قدْ مَاتَ إذ يُحْفَرُ قَبْرُهُ.
* قَالَ أَبو المُطَرِّفِ: أَمْرُ سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ وسَعِيدِ بنِ زيدٍ أَنْ يُدْفَنَا بالبَقِيعِ لِفَضْلِ المَدِينَةِ، ولِمُجَاوَرَةِ الشُّهَداءِ في قبُورِهِم ٧٩٤.
* ومَعْنَى قَوْلِ عُرْوَةَ: (مَا أُحِبُّ أَنْ أدْفَنَ بالبَقِيعِ) ٧٩٥، إنَّما قَالَ ذَلِكَ حِينَ كَثُرَ الدَّفْنُ فيهِ، وخَافَ أَنْ تُنْبَشَ لَهُ عِظَامُ رَجُلٍ صَالِحٍ، وتُكْسَرَ عِظَامُهُ، وحُرْمَةُ
(١) هذا حديث مرفوع، رواه أبو داود (٣٢٠٨)، والترمذي (١٠٤٥)، والنسائي ٤/ ٨٠، وابن ماجه (١٥٥٥)، من حديث ابن عباس.