فَكَانَ أَبو مُحَمَّدٍ يَقُولُ: لَسْتُ أَرَى هَذا إلَّا مَا قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} النساء: ٣٥.
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: لَمَّا كَانَ النِّكَاحُ مِنَ الطِّيِّبَاتِ التِّي أَبَاحَها اللهُ، فَحَرَّمَ ذَلِكَ أَحَدٌ على نَفْسِهِ بِقَوْلهِ: كُلُّ امْرَأةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، لَمْ يُلْزَمْ قَائِلُ ذَلِكَ شَيءٌ، لأَنَّهُ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللهُ، قالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} المائدة: ٨٧، وأَمَّا إذا سَمَّى قَبِيلَة بِعَيْيها، أَو ضَرَبَ أَجَلًا يَبْلَغُهُ عُمُرَهُ، لَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِيمَا عَيَّنَ، والأَجَلُ الذي ضَرَبَهُ، إلَّا أَنْ يَضْرِبَ أَجَلًا بَعِيدًا لَا يَبْلُغُهُ عُمُرَهُ.
كان (١) ابنُ القَاسِمِ يَقُولُ: يَتَزَوَّجُ، لأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَ أَجَلًا بَعِيدًا لا يَبْلُغُهُ عُمُرَهُ فَقَدْ قَصَدَ إلى تَحْرِيمِ مَا أَحَل اللهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اسْتَغْفِرِ اللهَ، وتَزَوَّجْ، ولَا شَيءَ عَلَيْكَ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّمَا حُكِمَ للمَرْأةِ على (٢) العِنِّينِ بالفِرَاقِ بعدَ أَنْ ضُرِبَ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ يُعَاب فِيهَا نَفْسَهُ، لِكَي يَقْطَعَ عَنْهَا الضَّرَرَ بامْتِنَاعِهِ مِنَ الوَطْءِ، وفِرَاقُهُ تَطْلِيقَةٌ، تَمْتَلِكُ بها المَرْأةُ أَمْرَ نَفْسِهَا، وأَمَّا إذا حَدَثَ بالزَّوْجِ العِنَّةَ بَعْدَ دُخُولِهِ بِها وَوَطْئِهِ إيَّاهَا، لَمْ يُفَرَّقْ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا، لأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَها لَمْ يُغِرْهَا بهْ الزَّوْجُ مِنْ نَفْسِهِ.
* قالَ الأَبْهَرِيُّ: أَمْرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ أَسْلَمَ وعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ويُفَارِقُ سَائِرُهُنَّ ٢١٧٩، وأَمَرَ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيَّ حِينَ أَسْلَمَ وتَحْتَهُ اخْتَانِ أنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، ويُفَارِقُ الأُخْرَى (٣)، ومَعْلُومٌ أَن الإخْتِيَارَ قَدْ يَكُونُ
(١) جاء في الأصل: (قال) وهو مخالف لسياق الكلام.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق.
(٣) رواه الترمذي (١١٢٩)، وابن ماجه (١٩٥١)، من حديث الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه.