قالَ ابنُ سَحْنُونَ (١): وذَلِكَ أَنْ يَقَعَ للمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ أَكْثَرَ مِنْ نِضفِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، فإنْ كَانَ المَعِيبُ أَقَلَّ ثَمَنا أَو كَانَا مُعتَدِلَيْنِ في الثَّمَنِ فإنَّما لَهُ رَدُّ المَعِيبِ وحْدَهُ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَو يَحْبِسَهُما بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
* قالَ أَبو المُطرِّفِ: وهذا الحُكْمُ في مَسْاَلةِ الجَارِيةِ التي بِيعَتْ بالجَارِيَتَيْنِ، وتَفْسِيرُ مَالِكٍ في المُوطَّأ لَها يَدُلُّ على أَنَّهُما كَانتَا مُعتَدِلَتَيْنِ في الثَّمَنِ
قال أبو المُطَرِّفِ: رَوَى هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (الخَرَاجُ بالضَّمَانِ) (٢)، ولِهذا الحَدِيثِ قَالَ مالك: إنَّهُ مَنْ رَدَّ عَبْداً بِعَيْبٍ وَجَدَهُ فِيهِ وقَن اسْتَغَلَّهُ أَنَّ الغَلَّةَ للمُشْتَرِي بِضَمَانهِ إيَّاهُ، وبِهذا قالَ أَهْلُ المَدِينَةِ.
* قَوْلُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لإبن مَسْعُودٍ حِينَ ابْتَاعَ جَارِيةً مِنْ زَوْجَتِهِ على شَرطِ أَنَّهُ يَبيعَها مِنْها، فقالَ لهُ عُمَرُ: (لا تَقْرَبْها وفِيها شَرْطٌ لأَحَدٍ)، إنَّمَا قالَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ البَائِعَةَ منهُ الجَارِيةَ وَضَعَتْ لَهُ مِنْ ثَمَنِها بَعضَهُ، لأَنْ يَبيعَها مِنْها إذا أَرَادَ بَيْعها بِثَمَني مَجْهُولٍ لا يُدرَى أَيَقِلُّ أَم يَكْثُرُ، وهذا مِنْ بِيُوعِ الحًرَامٍ التي لا تَحِلُّ، مَتى اشْتَرَاها المُشْتَرِي بهذا الشَّرطِ فَلَم يَملِكْها مِلْكَاً تَامَّاً، لأن شَرطَ البَائِعِ بَاقٍ فِيها، فَلِهذا الوَجْهِ لا يَجُوزُ للمُشْتَرِي وَطْئُها، ويُفْسَخُ البَيْعُ فِيها مَا لَمْ يَفِتْ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ: إنَّما جَازَ للرَّجُلِ أَنْ يَطَأ مُدَبَّرَتهِ مِنْ أَجْلِ أنَّ التَّدبِيرَ قَدْ يَرُدُّهُ
(١) هو محمد بن سحنون بن سعيد، الإِمام العلامة الفقيه، توفي سنة (٢٥٦)، ينظر: تراجم الفقهاء المالكية ٢/ ١٠٧٢.
(٢) رواه أبو داود (٣٥١٠)، وأحمد ٦/ ٨٠، و ١١٦، وابن حبان (٤٩٢٧)، بإسنادهم إلى هشام بن عروة به. وقال البغوي في شرح السنة ١٦٣٨: والمراد بالخراج الدخل والمنفعة، ومعنى الحديث أن من اشترى شيئا فاستغله بأن كان عبدا فأخذ كسبه أو دارا فسكنها او أجرها فأخذ غلتها، أو دابة فركبها، أو أكراها فأخذ الكراء، ثم وجد بها عيبا قديما، فله أن يردها إلى بائعها، وتكون الغلة للمشتري، لأن المبيع كان مضمونا عليه ... إلخ.