يبعها مِنْهُ حِينَئِذٍ، إلَّا بِمَا تُسَاوِي، فإنْ فَعَلَ رَدَّها عَلَيْهِ وقَبَضَ مِنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ.
قالَ أَبو المُطَرِّفِ (١): لَمْ يَجُزْ للرَّجُلِ أنْ يَبْتَاعَ مَا يَتَمَكَّنُ لَهُ عَدَدُهُ جُزَافَاً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَنْ قَصَدَ إلى تَرْكِ العَدَدِ في مِثْلِ هذا فَقد قَصَدَ الغَرَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نُقِضَ البَيْعُ مَا لَمْ يَفِتِ المَبِيعُ، وكَانَتْ في ذَلِكَ القِيمَةُ إنْ فَاتَ يَوْمَ قَبَضَ ذَلِكَ المُشْتَرِي (٢).
قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ بَاعَ شَيْئاً لِغَيْرِه على وَجْهِ الجُعْلِ أَنهُ لَا بَأْسَ بهِ إذا سَمَّى الجَاعِلُ المَجْعُولَ (٣) لَهُ ثَمَناً يَبِيعُ بهِ سِلْعَتَهُ، فإنْ لَمْ يَتَهيَّأ لَهُ بَيْعُها لَم يَكُنْ لَهُ شَيءٌ مِنَ الجُعلِ الذي جُعِلَ لَهُ، وهذا طَرِيقُ الجُعْلِ عِنْدَ العُلَمَاءِ، ودَلِيلُهُم عَلَيْهِ قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} يوسف: ٧٢، فَلَم يُؤَقِّتْ في الجُغلِ أَجَلاً، وجَعَلَ لَهُ جُعلَهُ إذا جَاءَ بالصُّوَاعِ، فَدَلَّ هذا على أَنَّهُ إنْ طَلَبَهُ ولَم يَأتِ بهِ أَنَّهُ لَا شَيءَ لَهُ مِنَ الجُعْلِ.
قالَ ابنُ أَبي زيدٍ: فالجُعلُ خَارِج مِنْ مَعَانِي الإجَارَةِ بِوجُوهٍ كَثيرَةٍ، مِنْ ذَلِكَ: أنَّهُ لا أَجَلَ فِيهِ، وأنَّ المَجْعُولَ لَهُ أَنْ يَدَعَ العَمَلَ مَتَى شَاءَ، وأَنَّه لَا شَيءَ لَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ سعيهِ حتَّى يتِمَّ بَيْعُ الثوْبِ أَو الشَّيءِ الذي جُعِلَ لَهُ الجُعلُ بِسَببِه.
قالَ: والإجَارَةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، لَا تَكُونُ إلَّا في عَمَلٍ مَعلُومٍ، وأَجَلٍ مَعلُومٍ، وثَمَنٍ مَعلُومٍ، ويَكُونُ للعَامِلِ مِنَ الأُجْرَةِ بقَدرِ مَا عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ، والدَّلِيلُ على صِحَّةِ هذا قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} القصص: ٢٧، فَانْعَقَدتِ
(١) في (ق): ع.
(٢) جاء في نسخة (ق): مالم يفت المبيع (فإن فات كانت في ذلك القيمة يوم قبض ذلك المشتري)، ولا فرق بين ماجاء في هذه النسخة ونسخة الأصل إلا في التقديم والتأخير.
(٣) في (ق): للمجعول.