الذي أَعْمَرَهَا مَا دَامَ المُعْمَرُ حَيًّا، أو أَحَدٌ مِنْ عَقِبهِ، فإذا انْقَرَضُوا رَجَعَتِ العُمْرَى إلى مُعْمِرِهَا إنْ كَانَ حيًّا، أَو إلى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا، وأَمَّا الذي لَا يَرْجِعُ مِيرَاثَاً فَهُوَ الحَبْسُ، ولَكِنَّهُ يَرْجِعُ حَبْسًا إلى أَقْرَبِ النَّاقِلِ بالمُحْبِسِ لا إلى المُحْبِسِ نَفْسِهِ.
قالَ ابنُ القَاسِمِ: وأَمَّا الرُّقْبَى فَهِيَ الدَّارُ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبهِ: إنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَنَصِيبِي حَبْسٌ عَلَيْكَ، وإنْ مِتَّ قَبْلِي فَنَصِيُبَكَ حَبْسٌ عَلَيَّ، فَهَذا لَا يَحِلُّ ويُفْسَخُ إنْ وَقَعَ، وتَبْقَى حِصَّةُ كُلّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا لِصَاحِبهِ كَمَا كَانَتْ أَوَلَ مَرَةٍ.
* قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في اللُّقَطَةِ: "اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكاءَهَا" ٢٨٠٢، يَعْنِي بالعِفَاصِ: الخِرْقَةَ التِّي تَكُونُ فِيهَا اللُّقَطَةُ، وَالوِكَاءُ: الخَيْطُ الذي تُرْبَطُ بهِ.
ثُمَّ قالَ: "عَرِّفَهَا سَنة، فإنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إليه، وإلَّا فَشَأنُكَ بهَا"، يَعْنِي: إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا بِعَلاَمَتِهَا وذَكَرَ مَا فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ أو الفِضَّةِ دُفِعَتْ إَليه، ولَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ في ذَلِكَ يَمِينٌ، فإنْ لَمْ يَأْتِ لَهَا طَالِبٌ فَعَلَ فِيهَا مُلْتَقِطُهَا مَا يُفْعَلُ بالوَدِيعَةِ إذا كَانَتْ عِنْدَهُ وطَالَ بَقَاءُهَا وأَيِسَ مِنْ صَاحِبهَا، إنْ شَاءَ تَسَلَّفَهَا، وإنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا وضَمِنَهَا لِصَاحِبِهَا إنْ جَاءَ، ولَمْ تَجُزِ الصَّدَقَةُ بِهَا.
ولَمْ يَرِدِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلهِ: "شَأنُكَ بهَا" أَنْ يجعلها مَالًا لِمُلْتَقَطِهَا إذا عَرَّفها سَنَةً، إذْ لا يَرْتَفِعُ مِلْكُ الإنْسَانُ عَنْ مَالِهِ إلَّا بِهِبةٍ أو بِعِوَضٍ.
وفَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ اللُّقَطَةِ والشَّاةِ، فَقَالَ فِيهَا: "هِيَ لَكَ، أَو لأَخِيكَ، أَو للذِّئْبِ"، ولَمْ يَقُلْهُ في لُقَطَةِ العَيْنِ، فَلِذَلِكَ افْتَرَقَ حُكْمُ العَيْنِ الذي لا يُتَقَّى عَلَيْهِ الفَسَادُ بِطُولِ بَقَائِهِ، وبَيْنَ الطَّعَامِ الذي يُتَقَّى عَلَيْهِ الفَسَادُ.
وقَوْلُهُ فِي الإبِلِ: "مَا لَكَ ولَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤهَا وحِذَاؤهَا"، يَعْنِي: أَنَّهَا تَصْبِرُ على المَاءِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَو أَكْثَرَ حتَّى تَجِدَ السَّبِيلَ إليه، ولَا يَضُرُّهَا العَطَشُ كَمَا يَضُرُّ سَائِرُ الحَيَوانِ.
(ومَعَهَا حِذَاؤهَا)، يَعْنِي: أَخْفَافَهَا.