وقَوْلُهُ: (أشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ الحَجَّ مَعَ (١) العُمْرَةَ)، يَعْنِي: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ قَرَنْتُ بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ بإحْرَامِي هَذَا.
قالَ أَبو عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْدَفَ الحَجَّ عَلَى العُمْرَةِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَالنِّيَةُ تَكْفِيهِ.
صِفَةُ إرْدَافِ الحَجِّ عَلَى العُمْرَةِ هُوَ: أَنْ يَهِلَّ الرَّجُلُ بِعُمْرَةٍ مِنَ المِيقَاتِ، ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَنْ يَرْدِفَ الحَجَّ عَلَيْهَا، وذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ مَا لَمْ يَطُفْ بالبَيْتِ لِعُمْرَتِهِ وَيرْكَعْ، فإذا طَافَ وَرَكَعَ أتَمَّ عُمْرَتَهُ، وَلَمْ يَرْدِفِ الحَجَّ عَلَيْهَا.
وَقِيلَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَرْدِفَ الحَجَّ عَلَى العُمْرَةَ مَا لَمْ يَسْعَ، فإذا طَافَ بالبَيْتِ وَسَعَى
بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ لَمْ يَرْدِفِ الحَجَّ عَلَى العُمْرَةِ، لأَنَّهُ قَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ.
وقالَ أَشهَبُ: إنَّهُ مَتَى طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَلَو شَوْطًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَرْدِفَ عَلَى عُمْرَتِهِ حَجَّةً.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اسْتَحَبَّ مَالِكٌ للحَاجِّ أَنْ يَقْطَعُوا التَّلْبِيَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إذا تَوَجَّهُوا إلى مَوْقِفِ عَرَفَةَ.
* قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: وَإلى مَوْقِفِ عَرَفَةَ يَنتهِي غَايَةُ المُلَبّي، إذْ مِنْهَا دَعَى إبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إلى الحَجِّ، وَمَنِ التَزَمِ التَّلْبيَةَ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ مَوْقِفِ عَرَفَةَ إلى أَنْ يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبةَ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا مَعْنى لَهُ، إذْ مِنْ شَأْنِ المُلَبِّي أَنْ يُجِيبَ مَنْ دَعَاهُ حَتَّى يَنتهِي إليهِ، فإذا انْصَرَفَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِتَلْبِيتِهِ إيَّاهُ مَعْنَى.
قُلْتُ لَهُ: فَمَا تَقُولُ في حَدِيثِ وَكِيعٍ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ الفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَبَّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبةَ" (٢)، فقالَ لِي أَبو مُحَمَّدٍ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَالعَمَلُ في قَطْعِ التَّلْبِيَةِ عَلَى قَوْلِ عَلَيِّ بنِ أَبي طَالِبٍ وَعَائِشَةَ الذي ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْهُمَا في
(١) ما بين المعقوفتين من الموطأ، وجاء في الأصل: (و).
(٢) رواه أبو داود (١٨١٥)، وأحمد ١/ ٢١٣، بإسنادهما إلى وكيع بن الجراح به.