* قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِفِعْلِ عُرْوَةَ إذ كَانَ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ كُلَّهَا في طَوَافِهِ بالبَيْتِ ١٣٤٨ وأَخَذَ في ذَلِكَ بقَوْلِ ابنِ عُمَرَ: "أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَمَسَّ مِنَ الأَرْكَانِ في طَوَافِهِ بالبَيْتِ إلَّا اليَمَانِيِيْنِ" (١).
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ للحَجَرِ: (إنَّمَا أَنْتَ حَجَرٌ، ولَوْلَا أنِّي رَأيتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَبَّلَكَ مَا قبَّلْتك، ثُمَّ قَبَّلَهُ ومَضَى) ١٣٥٠ يُرِيدُ: لا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ، وقَدْ كُنَّا نُعَظِّمُ أَمْرَ الحِجَارَةِ في الجَاهِلِيَّةِ فَهَجَرْنَا تَعْظِيمَهَا في الإسْلَامِ، غَيْرَ أَنِّي أَفْعَلُ في تَقْبِيلِكَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَبْلَّهُ.
فَفِي هَذا مِنَ الفِقْه: أَنَّ سُنَنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأَفْعَالَهُ يُؤْتَى بِهَا كَمَا سَنَّهَا وَفَعَلَها مَا لَمْ يَنْسَخْهَا - صلى الله عليه وسلم - بِغَيْرِهَا أَو يَتْرُكُهَا الخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لِشَيءٍ عَلِمُوهُ في ذَلِكَ.
قالَ مَالِكٌ: مَنْ طَافَ بالبَيْتِ بَعْدَ الصُّبْحِ أَو بَعْدَ العَصْرِ لَمْ يَرْكَعْ لِطَوَافِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَو تَغرُبَ.
وقالَ غَيْرُهُ: إنَّهُ يَرْكَعُ مَنْ طَافَ بالبَيْتِ في هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ (٢)، واحْتَجَّ في ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ بَابَاه، عَنْ جُبَيْرٍ بنِ مُطْعِمٍ، عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "لا تَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَطُوفَ بِهَذا البَيْتِ ويُصَلِّي، أَيَّ سَاعَةٍ كانَ مِنْ لَيْلٍ أَو نَهَارٍ" (٣).
* قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِه أَهْلَالمَدِينَةِ، وقَدْ رَوَى أَبو الزُّبَيْرِ: (أَنَّ ابنَ عباسٍ كَانَ يَطُوفُ بَعْدَ العَصْرِ ثُمَّ يدخلُ حُجْرَتَهُ، فَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ) ١٣٦٠ فَلَوْ كَانَ الرُّكُوعُ عِنْدَ ابنِ عَبَّاسٍ مَعْلُومًا بَعْدَ الصُّبْحِ وبَعْدَ العَصْرِ لَرَكَعَ في المَسْجِدِ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى
(١) رواه البخاري (١٦٤)، ومسلم (١١٨٧).
(٢) هذا قول الشافعي كما في الأم ١/ ١٤٩، وينظر: التمهيد ١٣/ ٤٥.
(٣) رواه أبو داود (١٨٩٤)، والترمذي (٨٦٨)، والنسائي (٥٨٥)، وابن ماجه (١٢٥٤)، بإسنادهم إلى سفيان بن عيينة به.