قَبْلَ الفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ المُزْدَلِفَةِ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ، ويَكُونُ عَلَيْهِ الطَوَافُ بالبَيْتِ، والسَّعِي بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، ويَحْلِقُ بِمَكَّةَ، وعَلَيْهِ حَجُّ قَابِل والهَدْي (١).
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: الوُقُوفُ بالمَشْعَرِ الحَرَامِ بَعْدَ صَلَاةِ الصبحِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ سُنَّةٌ، وهَذا إجْمَاع إلَّا مَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ أنَّهُ مَنْ لَمْ يَقِفْ بالمُزْدَلِفَةِ مَعَ الإمَامِ فَقَدْ فَاتَهُ الحَجُّ (٢).
قالَ أَبو مُحَمَّدٍ: وُيرَدُّ هَذا القُوْلَ تَقْدِيمُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ضَعَفَةَ أَهْلِهِ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إلى مِنَى باللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا بالمَشْعَرِ الحَرَامِ، وهَذا يَدُلُّ عَلَى أَن الوُقُوفَ بالمُزْدَلِفَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وإنَّمَا هُوَ سُنَة، فإذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا وُقُوفَ بالمُزْدَلِفَةِ، كَمَا إذا طَلَعَ الفَجْرُ لَيْلَةَ النَحْرِ لَمْ يَكُنْ وُقُوفٌ بِعَرفَةَ.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إنَّمَا حَرَّكَ ابنُ عُمَرَ رَاحِلَتَهُ في بُطْنِ مُحَسِّرٍ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: "أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَوْضَعَ في وَادِي مُحَسِّرٍ" (٣)، يَعْنِي: حَرَّك رَاحِلَتَهُ فِيهِ، والإيضَاعُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ.
قالَ عِيسَى: مَنْ بَلَغَ هَدْيَهُ مِنَى فَلْيَنْحَرْهُ، أَو يَذْبَحُ ما يَذْبَحُ ويُعْطِيهِ المَسَاكِينَ، فإذا دَفَعَهُ إليهِمْ حَيَّا فَقَدْ جَهِلَ ولَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلَهُ.
* حَدِيثُ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِخَمْسِ لَيَالٍ بقِينَ لِذِي القَعْدَةِ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ لَم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذا طَافَ بالبَيْتِ، وَسعَى بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ أَنْ يَحْلِقَ" ١٤٦٩ , وذكَرَتِ الحَدِيثَ إلى آخِرِه.
قالَ الفُقَهاءُ مِنَ الصَّحَابةِ والتَّابِعِينَ: هَذا الحَدِيثُ خَاصٌّ للَّذِينَ أَمَرَهُمْ
(١) ينظر: التمهيد ٩/ ٢٧٤، والإستذكار ٤/ ٥٦٨.
(٢) لم أقف على قول أبي عبيد ولم أجد أحدًا نقله، وهو قول شاذ لا شك فيه، ينظر: الإستذكار ٤/ ٥٧٩.
(٣) رواه الترمذي (٨٨٦)، والنسائي (٣٠٥٣)، وأحمد ٣/ ٣٠١، بإسنادهم إلى أبي الزبير المكي به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.