يُحَدِّثْ بهِ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وإنَّمَا قَالَ: فَحَدَّثنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهَا: "دَعِي عُمْرَتكِ" وهَذِه عِلَّةٌ فِي هَذا الحَدِيثِ، ولَمْ يَخْتِلَفْ فِي حَدِيثِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها: "افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أنْ لَا تَطُوفِي بالبَيْتِ، ولَا بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ حَتَّى تَطْهُرِي".
قالَ أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ: وبِهَذا الحَدِيثِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي المَرْأَةِ تَقْدُمُ مَكَةَ، وتَدْخُلَها بِعُمْرَةٍ، فتَحِيضُ قَبْلَ طَوَافِهَا بالبَيْتِ وسَعْيِهَا أنَّهَا تَهِلُّ بالحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهَا، وتَكُونُ قَارِنَةً بَيْنَ الحَجِّ والعُمْرَةِ.
وأَخَذَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ بِمَا فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا تَرْفُضُ العُمْرَة (١)، وتَنْقُضُ رأَسْهَا، وتُنْشِيءُ الحَجَّ مِنْ مَكَّةَ، وتَكُونُ عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ حَجِّهَا إعَادَةُ العُمْرَةِ التَي تَرَكَتْهَا والهَدْيُ (٢).
قالَ أَحْمَدُ: ومَالِكٌ يَسْتَحِبُّ لَها قَضَاءَ تِلْكَ العُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ، وقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أَئهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يا رَسُولَ اللهِ، يَرْجِعُ صَوَاحِبي بِحَجٍّ وعُمْرَةٍ وأَرْجِعُ أَنا بالحَجِّ، فأَمَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبي بَكْرٍ فأَعْمَرَهَا مِنَ التنْعِيمِ لِيُطَيِّبَ بِذَلِكَ نَفْسَهَا" (٣).
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فِي هَذا مِنَ الفِقْهِ: أَنَّ أَحَداً لا يَهِل بِعُمْرَةٍ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، وإنَّمَا يَهِلُّ بِهَا مِنَ الحِلِّ، وأَنَّ المَرْأةَ لَا تَخْرُجُ إلى سَفَرٍ وإنْ قَلَّتْ مَسَافتهُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ أَنَّهُ قالَ: (لَا تَنْفِرُ الحَائِضُ مِنْ
(١) أي: تترك التحلل من العمرة وتدخل عليها الحج فتصير قارنة، وهذا هو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: (دعي عمرتك وانقضي رأسك ... الحديث)
(٢) هذا هو قول أبي حنيفة أيضا، ينظر: التمهيد ٨/ ٢٢٨.
(٣) رواه أبو داود (١٧٨٢)، وأحمد ٦/ ٢١٩، بإسنادهما إلى القاسم بن محمد عن عائشة به.