ويُضْرَبُ الآخَرُونَ مَائةً مَائَةً، ويُحْبَسُونَ عَامًا ثُمَّ يُخْلَى سَبِيلُهُمْ.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَعْنِي أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ إنَّهُمْ ضَرَبُوهُ جَمِيعًا، وأنَّ مَنْ ضَرَبَ فُلَانًا مَاتَ، فإذَا كَانَ القَتْلُ خَطَأ حَلَفُوا عَلَيْهِم أَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَتْلِهِمْ، ثُمَّ يَأْخُذُونَ دِيةَ المَقْتُولِ مِنْ عَوَاقِلِهمْ.
فأما إذا كَانَ المُدَّعُونَ للدَّمِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا فإنَّ الأَيْمَانَ تُرَدَّدُ عَلَيْهِمْ، ومَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَحْلِفُ هَذَا يَمِينَاً، وهَذا يَمِينَاً، ثُمَّ يُرْجَعُ إلى الأَوَّلِ فَيَحْلِفُ، ثُمَّ الذي يَلَيْهِ، ثُمَّ الذِي يَلَيْهِ، حَتَّى تَتِمُّ الأَيْمَانُ كُلُّهَا.
قالَ مَالِكٌ: وإنَّمَا يَحْلِفُونَ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الدّيَةِ، وإذَا وَقَعَ في الأَيْمَانِ كُسُورًا أتمَّهَا أَكْبَرُهُمْ مِيرَاثًا مِنَ المَقْتُولِ، وإذا أَبَى وُلَاةُ المَقْتُولِ مِنَ الأَيْمَانِ صُرفَتِ الأَيْمَانُ عَلَى المُدَعَى عَلَيْهِ، فَيَحْلِفُ باللهِ خَمْسِينَ يِمِينًا أَنَّهُ مَا قتلَ، ويَبْرَأُ مِنَ التَّبِعَةِ.
فإنْ كَانَ المُدَّعَى عَلَيْهِمْ جَمَاعَة حَلَفَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا (١).
رَوَى ابنُ عَبْدِ الحَكَمِ عَنْ مالك أَنَّهُ قَالَ: تُوجَبُ القَسَامَةُ بالشَّاهِدِ الوَاحِدِ العَدْلِ، أَو اللَّوْثُ مِنَ البَيِّنَةِ (٢)، وإنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً يُرَى المُتَهَّمُ نَحْوَ المَقْتُولِ وقُرْبِهِ، وإنْ لَم يَرَوْ حِينَ أَصَابَهُ.
قالَ ابنُ أَبي زيدٍ: قِصَّةُ صَاحِبِ بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَ أَحْيَاهُ اللهُ وقَالَ: (قتَلَنِي فُلَانٌ) دَلِيل عَلَى قَبُولِ قَوْلِ المَقْتُولِ: (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَهُوَ الذِي قتلَنِي)، ويُقْسَمُ مَعَهُ (٣).
(١) ينظر قول مالك في التمهيد ٢٣/ ٢١٤.
(٢) اللوث: هو ما يكون شبه الدلالة على حديث من الأحداث ولا يكون بينة تامة، وذلك مثل رؤية العدل المقتول يتشحط في دمه ويضطرب فيه والشخص المتهم بقربه وعليه أثر القتل بأن كان معه الآلة ملطخة بالدم، ينظر: الفواكه الدواني ٢/ ١٨١، والمعجم الوسيط ٢/ ٨٤٤.
(٣) نقله ابن عبد البر في التمهيد ٢١٩/ ٢٣ - ٢٢٠، وقال: احتج جماعة من المالكيين =