قالَ مَالِكٌ: ولَا أُحِبُّ لأَحَدٍ أَنْ يَشْفَعَ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ (١) بَعْدَ أنْ يَصِلَ إلى الإمَامِ، أَو بَعْدَ أَنْ يَقَعَ صَاحِبُ الحَدِّ في أَيْدِي الحَرَسِ، وأَمَّا قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بهِ، إلَّا فِيمَنْ عُرِفَ شَرُّهُ وأَذَاهُ للنَّاسِ فَلَا يَشْفَعُ فِيهِ (٢).
قالَ ابنُ أَبي زَيْدٍ: قالَ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} النور:٤ , يَعْنِي: الذينَ يَقْذِفُونَ المُسْلِمَاتِ الحَرَائِرَ العَفَائِفَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، فَنَابَ ذِكْرَ النِّسَاءِ في هَذِه الآيةِ عَنْ ذِكْرِ الرِّجَالِ، وهَذا مِنَ الذِي يُحْكَمُ فِيهِ للمَسْكُوتِ (٣) عَنْهُ بِحُكْمِ مَا يَشْبَهَهُ مِنَ المَذْكُورِ، فَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا مُسْلِمًا حُرًّا بالزِّنَا فَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا قَالَ جُلِدَ حَدُّ القَذْفِ ثَمَانِينَ.
* وقالَ مَالِكٌ: إنْ قَذَفَ جَمَاعَة في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَو وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ ٣٠٦٣.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قالَ بَعْضُ أَهْلِ الأَمْصَارِ: إنْ قَذَفَ جَمَاعَة في كَلِمَةٍ وَاحِدَة، أو وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، حُذَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّ الفِرْيةِ (٤).
وقالَ أَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ: جَلَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الذينَ خَاضُوا في أَمْرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (٥) كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدًّا وَاحِدًا، ولَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَهُ المُخَالِفُ لَجَلَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدَّيْنِ حَدَّيْنِ، حَدًّا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا , وحَدًّا عَنِ الذي رَمَوْهَا بهِ.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إذا حُدَّ مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً حَدًّا وَاحِدًا عَنْهُمْ كُلُّهُمْ كَانَ
(١) من (ق).
(٢) ينظر قوله في: المدونة ١١/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٣) ما بين المعقوفتين من (ق) وفي الأصل: الحكم المسكوت، وما وضعته أكثر وضوحا.
(٤) هذا قول للشافعي، وهو مذهب عثمان البتِّي، ينظر: الإستذكار ٩/ ٨٩.
(٥) من (ق)، وكذا المعقوفتين التاليتين.