بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صلَّى اللهُ على مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وسَلَّم تَسْلِيمَا
تَفْسِيرُ كِتَابِ الجَامِعِ
* قَوْلُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ إني أَدْعُوكَ لِلْمَدِينهِ بمِثْلِ مَا دَعَاكَ بهِ إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ ومثْلَهُ مَعَهُ" ٣٣٠٣ , فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ المَدِينَةِ عَلَىَ مَكَّةَ، لِدُعَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَدِينَةِ بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بهِ إبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ، ودُعَاءُ إبْرَاهِيمُ (١) لِمَكَّةَ أنْ يَرْزُقُهَمْ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ (٢) مِنَ الثَّمَرَاتِ، وأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إليهِمْ، يَعْنِي: يَجْلِبُونَ إليهَا الأَقْوَاتَ، ودَعَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ المَدِينَةِ أَنْ يُبَارِكَ لَهُمْ في طَعَامِهِمْ المَكِيلَ بالصَّاعِ والمُدّ -الذِي بهِ قِوَامُ الأَبْدَانِ المُفْتَرَضِ عَلَيْهَا الطَاعَاتِ- بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بهِ إبْرَاهِيمُ - صلى الله عليه وسلم - لأَهْلِ مَكَّةَ.
وسَمَّى اللهُ تبَارَكَ وتَعَالَى المَدِينَةَ دَارَ الإيمَانِ، فقالَ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الحشر: ٩ , يَعْنِي بهِ الأَنْصَارَ سُكَّانَ المَدِينَةِ، ورَوَى سَعِيدُ بنُ أَبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "المَدِينَةُ قُبَّةُ الإسْلَامِ، ودَارُ الإيمَانِ، وأَرْضُ الهِجْرَةِ، ومُبْتَدأُ الحَلَالِ والحَرَامِ" (٣).
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: واخْتَارَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ المَدِينَةَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لمَحْيَاهُ
(١) في (ق): والذي دعا به إبراهيم لأهل مكة.
(٢) من (ق)، وكل ما سيأتي محصورا بين معقوفتين فهو زيادة من هذه النسخة.
(٣) رواه الطبراني في الأوسط ٥/ ٣٨٠ بإسناده إلى سعيد المقبري به، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٢٩٨: وفيه عيسى بن ميناء قالون وحديثه حسن، وبقية رجال ثقات.