* قالَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبيبٍ: كَانَ الرَّجُلُ الذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حينَ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ: "بئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ" ٣٣٥٣ عُيَيْنَةَ بنَ بَدْرٍ الفَزَارِيَّ، يَعْنِي: هَذا بِئْسَ الرَّجُلُ (١).
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: في هَذَا الحَدِيثِ مِنَ الفِقْهِ: أَلَّا غِيبَةَ في الفَاسِقِ إذا ذُكِرَتْ أَفْعَالُهُ، وقَدْ جَاءَ في غَيْرِ حَدِيثِ مالك: "اذْكُرُوا الفَاسِقَ بِمَا فِيهِ، كَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ" (٢)، وفِي مُحَادَثَةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لذَلِكَ الرَّجُلِ -الذِي قَالَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ: "بئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ" وَضَحِكُهُ مَعَهُ- رُخْصَةٌ في مُجَالَسَةِ مَنْ يُتَقَّى أَذَاهُ، ولا تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُ، لأَنَّ في ذَلِكَ اسْتِدْفَاعًا لِضُرّهِ، وهَذا كُلّهُ مِنْ تَحْسِينِ الأَخْلَاقِ.
قَوْلُ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ: (في صَلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ) ٣٣٥٦ , يَعْنِي: أَنْ يَسْعَى الإنْسَانُ في الصُّلْحِ بَيْنَ مَنِ اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ، وتَشَتَّتْ أُمُورُهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ، والسَّعِيّ في هَذا خَيْر مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ، ومِنْ صَدَقةِ التَّطَوّعِ، وقَدْ أَمَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بالإلْفَةِ، ونَهَى عَنِ الفُرْقَةِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (٣): {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: ١٠٣ , وقال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} النساء: ١٢٨.
وقَوْلُ سَعِيدٍ: (وإيَّاكُمْ والبَغْضَةَ، فَإنَّهَا هِيَ الحَالِقَة)، يَعْنِي: أَنَّهَا حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعْرِ، وذَلِكَ أَنَّهَا تُذْهِبُ بالدِّينِ وتُغَيِّرُهُ، ومَنْ أَحَبَّ لأَخِيهِ المُسْلِمِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: "لِكُل دِينٍ خُلُقٌ" ٣٣٥٩ , يَعْنِي: لِكُلّ دِينٍ شَرِيعَةٌ، "وخُلُقُ الإسْلَامِ الحَيَاءُ"، يَعْنِي: الحَيَاءَ الذِي يَقُودُ إلى خَيْرٍ، ويَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ.
(١) قال ابن عبد البر في التمهيد ٢٤/ ٢٦٢: هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري، نسبه إلى جده الأعلى، وينظر: فتح الباري ١٢/ ٤١٨.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (٢٢٠)، والعقيلي في الضعفاء ١/ ٢٠٢، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وقال العقيلي: ليس له من حديث بهز أصل ولا من حديث غيره، ولا يتابع عليه.
(٣) من (ق).