قَال لأَصْحَابهِ الذِين أَكَلُوا مَعَهُ: "لَتسْئَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذا اليَوْمِ"، يَعْنِي: تَسْأَلُونَ عَنْهُ سُؤَالَ امْتِنَانٍ، لَا سُؤَالَ حِسَابٍ، ولا سُؤَالَ مُنَاقَشَةٍ.
قالَ أَبو عُمَرَ: أَدْخَلَ مَالِكٌ هَذا الحَدِيثَ في كِتَابِ الجَامِعِ في إثْرِ حَدِيثِ عِيسَى بنِ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -، لِكَيْ يُرِي النَّاسَ تَوْسِعَةَ اللهِ -جَلَّ وَعَزَّ- عَلَى هَذِه الأُمَّةِ في أَكْلِ طَيِّبَاتِ الطَّعَامِ.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: في قَوْل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأَبي الهَيْثَمِ حِينَ هَمَّ بِذَبْحِ الشَّاةِ، فَقَالَ لَهُ: "نكبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ"، يَعْنِي: اتْرُكْ ذَبْحَ ذَاتِ اللَّبَنِ.
فِيهِ مِنَ الفِقْهِ: تَرْكُ ذَبْحِ ذَوَاتِ اللَّبَنِ الَّتي يَعِيشُ أَهْلُهَا مِنْ لَبَنِهَا، وفِيهِ أَيْضَاً: قُصُودُ الإخْوَانِ إلى أَبْيَاتِ إخْوَانِهِمْ كلِ طَعَامِهِمْ عِنْدَ الحَاجَةِ إلى الطَّعَامِ، وفِيهِ: إكْرَامُ الرَّجُلِ زُوَّارَهُ بأَطْيَبَ طَعَامِهِ، وهَذا مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَصِلَةِ الإخْوَانِ بَعْضَهُمْ بَعْضَاً.
* قالَ أَبو عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَكُولاً، ولَذِلَكَ أَكَلَ الصَّاعَ مِنَ التَّمْرِ، ولَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ طَعَامَاً قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَضَرَّ بهِ الجُوُعُ.
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: التَّمْرُ إذا نُزِعَ نَوَاهُ ذَهَبَ نِصْفُهُ، وإنَّمَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ الصَّاعِ الذِي وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ نِصْفُ الصَّاعِ، وفِي أَكْلِ عُمَرَ لِجَمِيعِه في مَرَّة وَاحِدَةٍ مِنَ الفِقْهِ: إبَاحَةُ الشِّبَعِ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ الطَّيِّبِ إذا كَانَ مِنْ حَلاَلٍ.
* قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَوْلُ عُمَرَ للَّذِي أَكَلَ مَعَهُ الخُبْزَ بالسَّمِنِ: (كأنَّكَ مُقْفِرٌ، يَعْنِي بالمُقْفَرِ: الذِي لَا شَيءَ لَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ سَمْنَاً ولَا أَكْلاً عَلِمَ أَنَّ النَّاسَ في حَاجَةٍ، فَقَالَ: (لَا آكُلُ سَمْنَاً حَتَّى يَحيَا النَّاسُ)، يَعْنِي: حَتَّى يُغَاثُ النَّاسُ بالحَيَا والخَصْبِ، وأَرَادَ بِهَذا عُمَرُ أنْ يُشَارِكَ النّاسَ في ضِيقِ عَيْشِهِمْ، وهَكَذا يَفْعَلُ أَهْلُ (١) العَدْلِ.
* قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَكْلُ الجَرَادِ مُبَاحٌ، ولِذَلِكَ قَا" عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ حِينَ
(١) جاء في الأصل: (إليه)، وما وضعته هو المناسب لسياق الكلام.