-فَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَارْتَجِعْهُ" فَإِنَّ "رَجَعَ" فِعْلٌ يُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا وَغَيرَ مُتَعَدٍ فَإِذَا أَرُيدَ بالرُّجُوع مَعْنَى الانْصِرَافِ لَمْ يَتَعَدَّ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَى الرَّدِّ تَعَدَّى.
- وَقَوْلُهُ: "جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا" ٤٠. أَرَادَ: حَائِطًا يُجَدُّ مِنْهُ هَذا العَدَدُ، وهَذَا كَلامٌ خَرَجَ مَخْرَجَ المَجَازِ؛ لأنَّ الحَائِطَ يُجَدُّ مِنْهُ التَّمْرُ، وَلَا يَجُدُّ هُوَ، فَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ مَجْدُوْدٌ وَلَا جَادٌّ، وَلَهُ تَأْويلانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الحَائِطَ لَمَّا كَانَ يُنْبِتُ التَّمْرَ ويُعْطِيهِ جَازَ أَنْ يُؤْتَى بهِ عَلَى لَفْظِ الفَاعِلِ كَقَوْلهِمْ: هَذِهِ الأَرْضُ تُعْطِي مِنَ الزَّرْعِ كَذَا وَكَذَا، وَنَاقَةٌ تَاجِرَةٌ للنَّافِقَةِ فِي السُّوْقِ، وإِنَّمَا هِيَ مَتْجُوْرٌ فِيهَا، وَلكِنْ لَمَّا كَانَ حُسْنُهَا هُوَ الَّذِي يُنْفِقُهَا كَانَ لَهَا حَظٌّ مِنَ الفِعْلِ.
والثَّانِي: لأنَّ العَرَبَ قَدْ تَأْتِي بالمَفْعُوْلِ عَلَى صِيغَةِ الفَاعِلِ عَلَى مَعْنَى النَّسَبِ كَقَوْلهِمْ: لَيلٌ نَائِمٌ، ونَهَارٌ صَائِمٌ، ولَحْمٌ حَانِذٌ للمَشْويِّ المَحْنُوْذِ والحَنِيذِ، وإِنَّمَا يُنَامُ في اللَّيلِ ويُصَامُ في النَّهَارِ.
- وَ قَوْلُهُ: "مِنْ مَالِهِ بالغَابة". الغَابَةُ - هَهُنَا - مَوْضِعٌ (١)، وأَصْلُ ذلِكَ أَنَّه شَجَرٌ مُلْتَفٌّ مُشْتَبِكٌ فَتَأْلَفُهُ الأُسْدُ وَالسِّباعُ.
- وَقَوْلُهُ: "جَدَدْتِيهِ واخْتَزَنْتِيهِ" لُغَةٌ لِبَعْضِ العَرَبِ، وَأَكْثَرُ العَرَبِ يَحْذِفُوْنَ اليَاءِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الفَصِيحَةُ المَشْهُوْرَةُ.
-قَوْلُهُ: "وإنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وأُخْتَاكِ" إِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ شَيءٌ مُثَنًّى يَعُوْدُ عَلَيهِ؛ لأنَّ الوَارِثَ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ يُرَادُ بِهِ الوَاحِدُ والاثْنَانِ والجَمِيع، فَحَمِلَ
(١) المَغَانم المُطابة (٢٩٩)، وفي "الاقتضاب": "وهُما غابتان؛ الغابة العليا، والغابة السُّفلى".