٣٦١ - وَأَمَّا الْأَثَرُ فِيهِ فَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِقَوْمٍ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَقَتَلْتُهُمْ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمَا حَرَّقْتُهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» زَادَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: فَبَلَغَ عَلِيًّا مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنِ أُمِّ الْفَضْلِ، إِنَّهُ لَغَوَّاصٌ عَلَى الْهَنَاتِ
⦗٢٠٠⦘
٣٦٢ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَرَأَيْنَا هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةَ أَفْحَشَ زَنْدَقَةً وَأَظْهَرَ كُفْرًا وَأَقْبَحَ تَأْوِيلًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَرَدِّ صِفَاتِهِ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ عَلِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَرَّقَهُمْ.
٣٦٣ - فَمَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَتْلِ الزَّنَادِقَةِ، لِأَنَّهَا كُفْرٌ عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُمْ عِنْدَهُمَا مِمَّنْ بَدَّلَ دِينَ اللَّهِ، وَتَأَوَّلَا فِي ذَلِكَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يَجِبُ عَلَى رَجُلٍ قَتْلٌ فِي قَوْلٍ يَقُولُهُ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ ذَلِكَ كُفْرًا، لَا يَجِبُ فِيمَا دُونَ الْكُفْرِ قَتْلٌ إِلَّا عُقُوبَةٌ فَقَطْ، فَذَاكَ الْكِتَابُ فِي إِكْفَارِهِمْ، وَهَذَا الْأَثَرُ.
٣٦٤ - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا بِكُفْرٍ مَشْهُورٍ، وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِنَصِّ الْكِتَابِ، أَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، وَادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ خَلَقَهُ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَمْ يُكَلِّمْهُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَسْمَعْ مُوسَى نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ، إِنَّمَا سَمِعَ كَلَامًا خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ مَخْلُوقٍ، فَفِي دَعْوَاهُمْ دَعَا مَخْلُوقٌ مُوسَى ⦗٢٠١⦘ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} طه: ١٢ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى فِي دَعْوَاهُمْ: صَدَقْتَ، ثُمَّ أَتَى فِرْعَوْنَ يَدْعُوهُ أَنْ يُجِيبَ إِلَى رُبُوبِيَّةِ مَخْلُوقٍ كَمَا أَجَابَ مُوسَى فِي دَعْوَاهُمْ، فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ فِي مَذْهَبِهِمْ فِي الْكُفْرِ، إِذًا فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا.
٣٦٥ - وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} النحل: ٤٠ . وَقَالَ هَؤُلَاءِ: مَا قَالَ لشَيْءٍ قَطُّ قَوْلًا وَكَلَامًا: كُنْ فَكَانَ، وَلَا يَقُولُهُ أَبَدًا، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَلَامٌ قَطُّ، وَلَا يَخْرُجُ، وَلَا هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ فِي دَعْوَاهُمْ، فَالصَّنَمُ فِي دَعْوَاهُمْ وَالرَّحْمَنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْكَلَامِ، فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا.
٣٦٦ - وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} المائدة: ٦٤ . وَ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص: ٧٥ . وَ {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} آل عمران: ٢٦ . وَقَالَ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح: ١٠ . قَالَ هَؤُلَاءِ: لَيْسَ لِلَّهِ يَدٌ، وَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، إِنَّمَا يَدَاهُ نِعْمَتَاهُ وَرِزْقَاهُ. فَادَّعَوْا فِي يَدَيِ اللَّهِ أَوْحَشَ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْيَهُودُ {قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} المائدة: ٦٤ ، وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: يَدُ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ، لِأَنَّ النِّعَمَ وَالْأَرْزَاقَ مَخْلُوقَةٌ لَا شَكَّ فِيهَا، وَذَاكَ مُحَالٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} آل عمران: ٢٦ : بِنِعْمَتِكَ الْخَيْرُ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ نَفْسَهُ هُوَ النِّعَمُ نَفْسُهَا، وَمُسْتَحِيلٌ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح: ١٠ : نِعْمَةُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ⦗٢٠٢⦘، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا الْيَدَ مَعَ ذِكْرِ الْأَيْدِي فِي الْمُبَايَعَةِ بِالْأَيْدِي، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} الفتح: ١٠ . وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ: {يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} المائدة: ٦٤ : نِعْمَتَاهُ، فَكَأَنَّ لَيْسَ لَهُ إِلَّا نِعْمَتَانِ مَبْسُوطَتَانِ، لَا تُحْصَى نِعَمُهُ، وَلَا تُسْتَدْرَكُ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مُحَالٌ مِنَ الْكَلَامِ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرًا.
٣٦٧ - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا بِالْمَشْهُورِ مِنْ كُفْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجْهًا وَلَا سَمْعًا وَلَا بَصَرًا وَلَا عِلْمًا وَلَا كَلَامًا وَلَا صِفَةً إِلَّا بِتَأْوِيلِ ضُلَّالٍ، افْتُضِحُوا وَتَبَيَّنَتْ عَوْرَاتُهُمْ، يَقُولُونَ: سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعِلْمُهُ وَكَلَامُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ بَيْتٍ مُغْلَقٍ، وَصُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، قَدْ أَحَاطَتْ بِهِ فِي دَعْوَاهُمْ حِيطَانُهُمْ وَأَغْلَاقُهَا وَأَقْفَالُهَا، فَإِلَى اللَّهِ نَبْرَأُ مِنْ إِلَهٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبٌ وَاضِحٌ فِي إِكْفَارِهِمْ.
٣٦٨ - وَنُكَفِّرُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ اللَّهُ، وَلَا يَصِفُونَهُ بِأَيْنَ، وَاللَّهُ قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَيْنَ، فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه: ٥ . {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} الأنعام: ١٨ . وَ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} آل عمران: ٥٥ . وَ {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} النحل: ٥٠ . {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} الملك: ١٦ . وَنَحْوُ هَذَا، فَهَذَا كُلُّهُ وَصْفٌ بِأَيْنَ، وَوَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيْنَ، فَقَالَ لِلْأَمَةِ السَّوْدَاءِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟» فَقَالَتْ: فِي ⦗٢٠٣⦘ السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» ، وَالْجَهْمِيَّةُ تَكْفُرُ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ وَاضِحِ كُفْرِهِمْ، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ يَنْطِقُ بِالرَّدِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، أَوْ بَعْضُهُمْ، وَلَكِنْ يُكَابِرُونَ وَيُغَالِطُونَ الضُّعَفَاءَ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حُجَّةٍ أَنْقَضُ لِدَعْوَاهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ إِلَى رَفْعِ الْأَصْلِ سَبِيلًا مَخَافَةَ الْقَتْلِ وَالْفَضِيحَةِ، وَهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ فِيهِ نَفْسَهُ جَاحِدُونَ. قَدْ نَاظَرْنَا بَعْضَ كُبَرَائِهِمْ، وَسَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْصُوصًا مُفَسَّرًا.
٣٦٩ - وَيَقْصِدُونَ أَيْضًا بِعِبَادَتِهِمْ إِلَى إِلَهٍ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا، وَدُونَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَإِلَهُ الْمُصَلِّينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِمُ: الرَّحْمَنُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، وَعَلَى عَرْشِهِ الْعَظِيمِ اسْتَوَى، وَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى، فَأَيُّ كُفْرٍ أَوْضَحُ مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ سُوءِ مَذَاهِبِهِمْ، مَا زَادَ مَانِي وَشَمْعَلَةُ الزِّنْدِيقَانِ
٣٧٠ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقَالَ لِيَ الْمُنَاظِرُ الَّذِي نَاظَرَنِي: أَرَدْتُ إِرَادَةً مَنْصُوصَةً فِي إِكْفَارِ الْجَهْمِيَّةِ بِاسْمِهِمْ، وَهَذَا الَّذِي رُوِّيتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الزَّنَادِقَةِ فَقُلْتُ: الزَّنَادِقَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ، وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَمُرَادٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ قَوْمٌ أَشْبَهُ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِنَّمَا يُشَبَّهُ كُلُّ صِنْفٍ وَجِنْسٍ بِجِنْسِهِمْ وَصِنْفِهِمْ، فَقَدْ كَانَ يَنْزِلُ بَعْضُ الْقُرْآنِ خَاصًّا فِي شَيْءٍ، فَيَكُونُ عَامًّا فِي مِثْلِهِ، وَمَا ⦗٢٠٤⦘ أَشْبَهَهُ، فَلَمْ يَظْهَرْ جَهْمٌ وَأَصْحَابُ جَهْمٍ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ فَيُرْوَى عَنْهُمْ فِيهَا أَثَرٌ مَنْصُوصٌ مُسَمًّى، وَلَوْ كَانُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مُظْهِرِينَ آرَاءَهُمْ لَقُتِلُوا كَمَا قَتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الزَّنَادِقَةَ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي عَصْرِهِ، وَلَقُتِلُوا كَمَا قُتِلَ أَهْلُ الرِّدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ أَظْهَرَ بَعْضَ رَأْيِهِ فِي زَمَنِ خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ، فَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، فَذَبَحَهُ خَالِدٌ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى رُءُوسِ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَعِبْهُ بِهِ عَائِبٌ، وَلَمْ يَطْعَنْ عَلَيْهِ طَاعِنٌ، بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَصَوَّبُوهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ هَؤُلَاءِ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ مَا كَانَ سَبِيلُهُمْ عِنْدَ الْقَوْمِ إِلَّا الْقَتْلَ، كَسَبِيلِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ، وَكَمَا قَتَلَ عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ فِي عَصْرِهِ وَأَحْرَقَهُ، وَظَهَرَ بَعْضُهُمْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَهْدِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَشَارُوا عَلَى وَالِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ بِقَتْلِهِ.
٣٧١ - وَيَكْفِي الْعَاقِلَ مِنَ الْحُجَجِ فِي إِكْفَارِهِمْ مَا تَأَوَّلْنَا فِيهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَرُوِّينَا فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَا فَسَّرْنَا مِنْ وَاضِحِ كُفْرِهِمْ، وَفُحْشِ مَذَاهِبِهِمْ شَيْئًا شَيْئًا، فَأَمَّا إِذْ أَبَيْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا إِلَّا الْمَنْصُوصَ فِيهِمُ، الْمَقْصُودَ بِهَا إِلَيْهِمْ بِجِلَاهُمْ وَأَسْمَائِهِمْ، فَسَنَرْوِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ