المبحثُ الثاني: الحياةُ العلمية:
تقدّم في المبحث السابق أنَّ المصنِّفَ عاش في فترات توتَّرت فيها سياسةُ الدويلات القائمة في عصره فيما بينها، ثمَّ فيما بين تلك الدويلات ودولة المرابطين الذين استولوا على الأندلس بعد ضعفها وأعادوا لها عزَّها ومجدَها.
لكن بالرغم مِن تلك المنازعات بين ملوك الطوائف إلَّا أنَّهم أدَّوا دورًا بارزًا في النشاط العلمي، والعمل على ازدهاره ورفعته.
ووُلد المصنِّف في بلده دانية آخرَ عهد العامريين، ونشأ في عهد دولة بني هود ودولة المرابطين عِظم حياته.
وكان لبلده دانية شأنٌ عظيمٌ في أيَّام دول الطوائف، بدءًا بمجالد العامري الذي أَمَّه جملةٌ مِن العلماء وأنِسوا بمكانه، واجتمع عنده مِن طبقات علماء قرطبة وغيرها جملةٌ وافرةٌ، وفي بَلاطه عاش الفقيهُ المحدِّثُ أبو عمر بن عبد البر النمري.
وكذا كان الأمر في عهد بني هود، ثم مِن بعدهم في دولة المرابطين الذين قدَّموا الفقهاءَ وعظّموهم.
وكانت الحياةُ العلميةُ في هذا العهد في ازدهارٍ عظيمٍ، وشهدت الأندلسُ أبهى عصورها العلمية، يلتمس ذلك في آثار علمائها وفقهائها.
وتميّز النشاطُ العلمي في عدّة أمور منها:
- الرحلات العلمية التي قام بها علماء الأندلس إلى المشرق، وقد عقد المقري في نفح الطيب في المجلد الثاني وجزءًا من الثالث فصلًا كاملًا ترجم