وَلَعَلَّ الَّذِي لَهُ من هَذَا الْعَمَل أَكثر من هَذَا الَّذِي تيَسّر الْآن ذكره، وَهُوَ نظر غير صَحِيح أَن تعل رِوَايَة ثِقَة حَافظ، وصل حَدِيثا رَوَاهُ غَيره مَقْطُوعًا، أَو أسْندهُ، وَرَوَاهُ غَيره مُرْسلا، لأجل مُخَالفَة غَيره لَهُ.
وَالْأَمر يحْتَمل أَن يكون قد حفظ مَا لم يحفظ من خَالفه، وَإِذا كَانَ الْمَرْوِيّ من الْوَصْل، والإرسال عَن رجل وَاحِد ثِقَة، لم يبعد أَن يكون الحَدِيث عِنْده على الْوَجْهَيْنِ، أَو حدث بِهِ فِي حَالين، فَأرْسل مرّة، وَوصل فِي أُخْرَى.
وَأَسْبَاب إرْسَاله إِيَّاه مُتعَدِّدَة: فقد تكون أَنه لم يحفظه فِي الْحَال حَتَّى رَاجِح مَكْتُوبًا إِن كَانَ عِنْده، أَو تذكر، أَو لِأَنَّهُ ذكره مذاكرا بِهِ، كَمَا يَقُول أَحَدنَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لما هُوَ عِنْده بِسَنَدِهِ، أَو لغير ذَلِك من الْوُجُوه.
وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي أَن يكون الَّذِي يسند مَا رَوَاهُ غير مَقْطُوعًا أَو مُرْسلا ثِقَة، فَإِنَّهُ إِن لم يكن ثِقَة لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَو لم يُخَالِفهُ أحد، فَإِذا كَانَ ثِقَة فَهُوَ حجَّة على من لم يحفظ.
وَهَذَا هُوَ الْحق فِي هَذَا الأَصْل، وكما اخْتَارَهُ أَكثر الْأُصُولِيِّينَ فَكَذَلِك أَيْضا اخْتَارَهُ من الْمُحدثين طَائِفَة. وَإِن كَانَ أَكْثَرهم على الرَّأْي الأول.
فَمِمَّنْ اخْتَار مَا اخترناه: أَبُو بكر الْبَزَّار، ذهب إِلَى أَنه إِذا أرسل الحَدِيث جمَاعَة، وَحدث بِهِ ثِقَة مُسْندًا؛ كَانَ القَوْل قَول الثِّقَة، ذكر ذَلِك - إِن أردْت الْوُقُوف عَلَيْهِ - إِثْر حَدِيث أبي سعيد:
(٢٦٠٥) " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة " فِي حَدِيث عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد.
فَيَجِيء على قَوْله أَحْرَى وَأولى بِالْقبُولِ مَا إِذا أرسل ثِقَة وَوصل ثِقَة، فَإِنَّهُ إِذا لم يبال بإرسال جمَاعَة إِذا وَصله ثِقَة، فأحرى أَن لَا يُبَالِي بإرسال وَاحِد