جلّ مضمن هَذَا الْبَاب، محَال بِهِ على مُتَقَدم الذّكر فِي الْأَبْوَاب الفارطة، فِرَارًا من التّكْرَار، وطلباً للاختصار.
فَمن تِلْكَ الْأَحْوَال، التَّدْلِيس، ونعني بِهِ أَن يروي الْمُحدث عَمَّن قد سمع مِنْهُ مَا لم يسمع مِنْهُ، من غير أَن يذكر أَنه سَمعه مِنْهُ.
وَالْفرق بَينه وَبَين الْإِرْسَال، هُوَ أَن الْإِرْسَال رِوَايَته عَمَّن لم يسمع مِنْهُ.
وَلما كَانَ فِي هَذَا قد سمع مِنْهُ، جَاءَت رِوَايَته عَنهُ مَا لم يسمع مِنْهُ، كَأَنَّهَا إِيهَام سَمَاعه ذَلِك الشَّيْء، فَلذَلِك سمي تدليساً.
وَحكمه الْجَوَاز إِذا كَانَ الَّذِي طوى ذكره ثِقَة عِنْده، كالإرسال سَوَاء.
أما إِذا كَانَ الَّذِي طوى ذكره ضَعِيفا عِنْده، فَهَذَا حرَام وجرحه فِي فَاعله، وَلَا فرق بَينه وَبَين إِبْدَال ضَعِيف بِثِقَة فِي رِوَايَة حَدِيث، فَإِن كَانَ ثِقَة عِنْده وضعيفاً عِنْد النَّاس، فموضوع نظر، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَار كَونه ثِقَة عِنْده، يقوم عذره فِي طيه ذكره، كَمَا فِي الْإِرْسَال وَترك الْإِسْنَاد، وَبِاعْتِبَار أَنه ضَعِيف عِنْد غَيره، يجب عَلَيْهِ ذكره، وَلَا يَرْمِي الحَدِيث إِلَى من يحدثه بِهِ متحملاً عهدته.
أما هَل يحْتَج بِمَا يرويهِ المدلس أم لَا يحْتَج بِهِ؟ فمبني على هَذَا.
وَذَلِكَ أَنا إِذا علمنَا من حَاله أَنه لَا يُدَلس إِلَّا عَن ثِقَة عِنْده:
فَمن النَّاس من يرد معنعه، لاحْتِمَال انْقِطَاعه، وَأَن يكون قد دلّس بِهِ، حَتَّى يعلم سَمَاعه لشَيْء فيحتج بِهِ.
وَمن النَّاس من يقبله حَتَّى يتَبَيَّن الِانْقِطَاع فِيهِ، وَأَنه دلسه، ولسنا الْآن لبَيَان هَذِه.
وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَاف الِاخْتِلَاف الَّذِي فِي قبُول الْمُرْسل الْمُحَقق الْإِرْسَال، ذَاك إِنَّمَا سَببه الْجَهْل بِحَال المطوي ذكره، وَهَذَا سَببه احْتِمَال الِاتِّصَال و الِانْقِطَاع.