هَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكر، هُوَ كَلَام البُخَارِيّ، إِلَّا أَنه من البُخَارِيّ على أَصله، وَلَيْسَ من أبي مُحَمَّد على أَصله فِيمَا لَا يُحْصى من الْأَحَادِيث.
وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ، يريان رَأيا قد تولى رده عَلَيْهِمَا مُسلم، وَهُوَ: " أَن المتعاصرين لَا يحمل مُعَنْعَن أَحدهمَا عَن الآخر على الِاتِّصَال، مَا لم يثبت أَنَّهُمَا التقيا " وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُور فِي ذَلِك.
وَعِنْدِي أَن الصَّوَاب مَا قَالَاه وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَيَانه، ولنوم إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الأَصْل فِي أَخْبَار الْآحَاد الرَّد لما هِيَ عَلَيْهِ من احْتِمَال الْخَطَأ وَالْكذب، وَغير ذَلِك من أحوالها لَوْلَا مَا قَامَ من الْحجَّة على إِلْزَام الْعَمَل بهَا، الَّتِي هِيَ الْإِجْمَاع، أَو / التَّوَاتُر عَن الشَّرْع بإلزام ذَلِك.
وَلَا يتَحَقَّق الْإِجْمَاع إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَا قد التقيا وَلَو مرّة من دهرهما، وَلم يكن المعنعن مَعْرُوفا بالتدليس، وَكَانَ ثِقَة، وَمَتى اخْتَلَّ من هَذِه وَاحِد، فَالْخِلَاف قَائِم، فَلَا يكن حجَّة، وَكَذَلِكَ حجَّة التَّوَاتُر إِنَّمَا تتَحَقَّق فِيمَا لَا يشك فِي الالتقاء.
وَلَيْسَ بسط هَذَا من غرضنا، فلنرجع إِلَى رَأْي الْجُمْهُور مُلْتَزم أبي مُحَمَّد: فَنَقُول لَهُ:
البُخَارِيّ إِذا قَالَ ذَلِك فِي هَؤُلَاءِ فعلى أَصله، وَأما أَنْت إِذا قلته فقد تركت أصلك، إِذْ الزَّمَان مُحْتَمل للقاء.
وَإِنَّمَا عِلّة هَذَا الْخَبَر أَنه من رِوَايَة أبي الْحسن الْعَسْقَلَانِي، عَن أبي جَعْفَر