والخامس: أنَّه يمكننا الجمع بين الأحاديث، فنقول: (كان يفتتح بالحمد) أي بالسُّورة، ولم يسمع منه الجهر من أنكره، وسمعه من رواه؛ وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم.
والجواب:
أمَّا المسلك الأوَّل: فإنَّ التَّعرُض بالطَّعن لحديث أنس لا وجه له، لاتفاق الأئمة على صحَّته؛ ومعارضتُه بما لا يقارب سنده في الصِّحة قبيحٌ بمن يدَّعي علم النَّقل.
وأمَّا حديث أبي مسلمة (١): فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّ حديثنا في الصِّحاح بخلافه، فلا يقوى على المعارضة.
والثَّاني: أنَّه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وكم ممَّن حدَّث ونسي؟! وقد صرَّح أنس بمثل هذا، فسئل يومًا عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فسلوه، فإنَّه حفظ ونسينا.
والثَّالث: أنَّه يحتمل أن يكون مراد السَّائل: أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكرها في الصَّلاة، أو يتركها أصلاً؟ فلا يكون هذا سؤالاً عن الجهر بها.
وأمَّا حديث ابن مغفَّل: فرجاله ثقاتٌ، وقيس بن عَبَاية قد ذكره البخاريُّ في "تاريخه" (٢) وقال أبو بكر الخطيب: لا أعلم أحدًا رماه ببدعةٍ في دينه ولا كذبٍ في روايته (٣).
(١) في "التحقيق": (سلمة) خطأ.
(٢) "التاريخ الكبير": (٧/ ١٥٦ - رقم: ٧٠٠).
(٣) في هامش الأصل: (قيس بن عباية وثقه ابن معين) ا. هـ
انظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (٧/ ١٠٢ - رقم: ٥٨٠) من رواية ابن أبي خيثمة.