وغيرهم من أهل العلم الأثبات.
كما ينبغي أن يُعْلَم أن دخول المعازف على تلاوة القرآن إنما: "كان بدعوة مشبوهة من بعض الصحفيين قديمًا بزعم تصوير المعاني وضبط الأنغام، وربما تمادى بعضهم وطالب بما يقارن تلك الألحان بالآلات الموسيقية، فكل ذلك جرأة على كتاب الله تعالى ذِكرُه وتقدس اسمُه، ولا شك أن الاشتغال بتلك الأنغام يوقع القارئ في تحوير الألفاظ، ويصرف السامع عن تدبر المعاني، بل يفضي بها إلى التغيير، وكتاب الله تعالى مجد المسلمين ينزه عن ذلك". (١)
المطلب الثاني: حَسْمُ الخلافِ في مسألة ما يسمى بـ"المقامات الموسيقية"
حَسْمُ ابنِ القيم للخلاف في هذه المسألة:
وقد حَسَمَ الإمامُ ابن القيم الخلاف في هذه المسألة، وذكر إجماع السلف على منع القراءة بالألحان الموسيقية، وتلاوة القرآن بطريقة أهل الفسق والمجون التي يستخدمها أهل الخلاعة من المغنين وأضرابهم، وهي ما يعرف في عصرنا الحاضر بـ"المقامات الموسيقية"، كما فرق - رحمه الله- بين الطبيعة الجبلية في القراءة وبين التكلف المذموم في التغني بالقرآن حتى يصل إلى حد التمطيط، وهم لا يحصل لهم ذلك إلا بالتعلم والتمرن والتصنع كما يفعل ذلك أهل الغناء بألحان وإيقاعات مخصوصة على أوزان مخصوصة قد اخترعوها وابتدعوها.
وقد أطال فيها -ابن القيم- رحمه الله- النفس بعد أن ساق الأدلة المسكتة التي برهن بها على بطلان تلك الفعلة الشنيعة، ثم بين هنا أن التغني منه المحمود ومنه المذموم.
فقال في ذلك - رحمه الله-:
وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري- رضي الله عنه- للنبي- صلى الله عليه وسلم- "لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرًا" (٢) والحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان
(١) يُنظر: حول فكرة تلحين القرآن، للشيخ/ عبد الفتاح القاضي، مجلة الأزهر: (ج/ ١)، عدد الشهر المحرم، لعام ١٣٨٧ هـ، الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم، أو، المصحف المرتل: بواعثه ومخططاته، المؤلف: الدكتور لبيب السعيد، (٣٤٣)، الناشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر-القاهرة، تاريخ النشر: ١٣٨٧ هـ، ١٩٦٧ م، (د. ط).
(٢) -يُنظر: فتح الباري (١٤/ ٢٧٢)