يقول ابن سعدي (ت: ١٣٧٦ هـ) - رحمه الله -:
وهو هذا القرآن الكريم، سماه روحًا، لأن الروح يحيا به الجسد، والقرآن تحيا به القلوب والأرواح، وتحيا به مصالح الدنيا والدين، لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير. (١)
فكان الصحابة - رضي الله عنهم- يتسابقون في تلقيه من فِيِ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وها هو عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- يقول عن نفسه:
"والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت،
ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه". (٢)
عن شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: خطبنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ-رضي الله عنهم- فقَالَ:
"وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ".
قالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ أَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ، فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا، يَقُول غَيْرَ ذَلِكَ. (٣)
وما قال ذلك إلا بعد تلقى القرآن من فِيِ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وبلغ مبلغًا عظيمًا في العلم بكتاب الله، تلاوة وتفسيرًا، تجويدًا وتحبيرًا، وما يتعلق بأسباب نزوله، وفهم معانيه ومقاصده ومراميه.
وإذا أردنا أن تترسخ تلك المعاني في نفوسنا فلنتأمل إلى ما حسنه الألباني -رحمه الله-، وأصله عند أحمد في المسند من حديث زر بن حبيش-رضي الله عنه-، قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسجد، وهو بين أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ النساء، فانتهى إلى رأس المائة. فجعل ابن مسعود يدعو، وهو قائم يصلي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اسأل تعطه، اسأل تعطه، ثم قال: من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فليقرأه بقراءة ابن أم عبد. فلما أصبح غدا إليه أبو بكر ليبشِّره، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلتُ: اللهم إني أسألك إيمانًا
(١) - تفسير السعدي (٧/ ١٦٠٢).
(٢) - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن (٤٧١٦)
(٣) - صحيح البخاري، كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ-بَاب الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى، حديث رقم: (٤٦٤١).