مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جواثا الذي يصلي فيه بنو عبد القيس، وذكر القاضي عياض أن أهل الردة في ذلك الوقت على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: صنف كفر بعد إسلامه وعاد لجاهليته، واتبع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وصدق بهما.
والصنف الثاني: صنف أقر بالإسلام إلا الزكاة فجحدها.
والصنف الثالث: صنف أقر بوجوبها لكنه امتنع عن دفعها لأبي بكر-رضي الله عنه- وقالوا: إن ذلك خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} (التوبة: ١٠٣).
فرأى أبو بكر والصحابة- رضي الله عنهم- قتالهم جميعهم، الصنفان الأولان لكفرهم والثالث لامتناعهم، والامتناع مع الإقرار يختلف حكمًا من الامتناع مع الجحود ولا شك في ذلك أبدًا.
وقد ذكر أبو العباس القرطبي (٦٥٦ ت: هـ) في "المفهم" -رحمه الله-:
أن الصنف الثالث هم الذين أشكل أمرهم على عمر وراجع فيهم أبا بكر حتى ظهر الحق. ولا يعتبرون كفارًا وإنما بغاة. (١)
وهذا التقسيم الذي ذكره أبو العباس القرطبي قد ذهب إليه جمع من أئمة الإسلام، منهم الإمام الشافعي (ت: ٢٤٠ هـ) حيث يقول-رحمه الله: -- بنحوه- في "الأم"
"وأهل الردة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضربان: منهم قوم كفروا بعد الإسلام، مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات".
ثم أشار إلى أن أبا بكر وعمر- رضي الله عنهما- كانا مجمعين على إن الصنف الثاني ليسوا كفارًا.
فيقول بعد أن ذكر ما دار بينهما من حوار:
" … معرفتهما معًا بأن ممَّن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان". (٢)
وممَّن قرر هذا التقسيم أيضًا الخطابيُّ (ت: ٣٨٨ هـ) حيث يقول في "معالم السنن" -رحمه الله-:
"الذين يلزمهم اسم الردة من العرب كانوا صنفين: صنفًا منهم ارتدَّ عن الدين، ونابذ الملة، وعاودوا الكفر، وهم الذين عناهم أبو هريرة- رضي الله عنه- بقوله: (وكفر من كفر من
(١) يُنظر: شرح النووي لمسلم حديث (٢٢، ٢٠) ويُنظر: المفهم للقرطبي حديث (١٨، ١٧) باب يقاتل الناس إلى أن يوحِّدوا الله ويلتزموا شرائع دينه.
(٢) الأم، للشافعي: (٩/ ٢٠٤).