قال ابن المِبْرَد:
"وتمني الشهادة مستحب، وهو مخالف لتمني الموت، فإن قيل: ما الفرق بينهما؟ قيل: تمني الموت، طلب تعجيل الموت قبل وقته، ولا يزيد الإنسان عمره إلا خيرًا، وتمني الشهادة هو أن يطلب أن يموت عند انتهاء أجله شهيدًا، فليس فيه طلب تقديم الموت عن وقته، وإنما فيه طلب فضيلة فيه". (١)
لما لا وقد بشره النبي- صلى الله عليه وسلم- بالشهادة من قبل:
فقد ثبت عند البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك- رضي الله عنه-أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- صَعِدَ أُحُدًا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ فَرَجَفَ بهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ. (٢). والصِّدِّيقُ هو أبو بكرٍ، والشَّهيدانِ هما عُمرُ وعثمانُ؛ فكِلاهما قُتِلَ شَهيدًا ومظلومًا-رضِي اللهُ عنهم أجمعين-.
مبايعة عثمانُ (ت: ٣٥ هـ) -رضي الله عنه- بالخلافة:
وفي مطلع شهر الله المحرم من سنة ٢٤ للهجرة وإثر مقتل عمر-رضي الله عنه- شهيدًا بُويِعَ عثمانُ رضي الله عنه- بالخلافة.
وفي عهد عثمان- رضي الله عنه- كثُرت الفتوحات الإسلامية، واتسعت رقعة الدولة المسلمة في زمنه واتسع إثر ذلك العمران، وتفرق المسلمون في أرجاء تلك البقعة من بلاد الإسلام المترامية الأطراف والأقطار، وانتشر الصحابة- رضي الله عنهم- في الأمصار يعلمون الناس آي التنزيل، ودخل فئام من الناس في دين الله، وطال عهد الناس بالرسول والرسالة، وفي إثر ذلك نشأ جيل جديد لم يشهد عهد التنزيل وكان منهم الأعجمي الذين لا يحسن العربية ولا يعرف وجوهها، وكان منهم من هو بعيد عن مهبط الوحي ومهد الرسالة زمانًا ومكانًا، وكان كل معلم ومقرئ من
الصحابة-رضي الله عنهم- يُقرئ الناس ويعلمهم القراءة بالحرف الذي تلقاه وتعلمه من فِيِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.
ولذا كان أهل كل مصر من تلك الأمصار يقرأ بالقراءة التي تعلمها وتلقاها من الصحابي الذي علمه، فكان بين وجوه القراءة التي يقرآ بها كل واحد منهم من الاختلاف والتباين في حروف الأداء حسب القراءة التي تلقاها وتعلمها ممن أخذ عنه من الصحابة- رضي الله عنهم-، وتلك الأجيال التي دخلت في الإسلام ولم تشهد عهد التنزيل لا يعرفون أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وأن أي حرف قُرئ به فهو شاف كاف، فحدث عندهم من جراء ذلك نوع استغراب وتعجب واختلاف
(١) - الطبقات لابن سعد (٣/ ٣٣١) إسناده حسن، تاريخ المدينة (٣/ ٨٧٢). محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن المِبْرَد (٣/ ٧٩١).
(٢) - رواه البخاري (٣٦٧٥)