وقد ثبت عند البخاري من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-: أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: " إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا. (١)
قال الزهري (ت: ١٢٤ هـ) -رحمه الله-:
فاختلفوا (الصحابةُ) يومئذ في (التابوت والتابوه) فقال القرشيون "التابوت"، وقال زيدٌ: (وهو مدني) "التابوه" فرُفعَ اختلافهم إلى عثمان فقال اكتبوه "التابوت" فإنه نزل بلسان قريش" (٢).
هل شارك عثمان- رضي الله عنه العمل مع لجنة الجمع؟
يقول ابن جزىّ الكلبي (ت: ٧٤١ هـ) -رحمه الله- في "التسهيل":
الذي " يبدو أن الخليفة كان يشارك بشكل كبير فى عملية النسخ ولم يقتصر دوره
على إبداء الرأي والنصيحة وحسم الخلافات بين أعضاء اللجنة فحسب ". (٣)
هذا "وقد استمرت عملية نسخ صحف القرآن بلغة قريش حتى تم تجميع القرآن فى مصحف واحد، وعرف ذلك المصحف بـ "المصحف الامام" أو بـ "مصحف عثمان"، وبعدها قام عثمان برد الصحف الى حفصة وأرسل الى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق ". (٤)
ثانيًا: توقيت وزمن هذا الجمع
عزم عثمان - رضى الله عنه - في أواخر سنة ٢٤ هـ وأوائل سنة ٢٥ هـ على جمع القرآن الكريم في مصحف سمي بالإمام بعد ذلك كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقال أيضًا: "وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين ولم يذكر له مستندًا ". (٥)
(١) - البخاري، فضائل القرآن، رقم: ٤٦٠٤، الترمذي، أبواب تفسير القرآن، برقم: ٣٠٢٩، ويُنظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود: ١/ ٢٠٤، والفتح لابن حجر: ٩/ ١١.
(٢) - التابوت والتابوه: أي اختلفوا في كتابتها بالتاء المجرورة أو المربوطة، ولا يذكر في التاريخ من اختلافهم إلا في هذه الكلمة الوحيدة.
يُنظر: الترمذي، أبواب تفسير القرآن، (٥/ ٢٦٦) رقم: ٣٠٢٩ (٣٠٢٩).، وكتاب المصاحف لابن أبي داود - باب جمع عثمان- رضي الله عنه-القرآن في المصاحف (ص: ٢٦)، وفتح الباري (٨/ ٦٣٥)، تفسير الطبري: (١/ ٦٢).
(٣) - محمد بن أحمد بن جزى الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، جـ ١، صـ ٧
(٤) ابن كثير، فضائل القران، صـ ٦٧
(٥) - جمع الكريم في عهد الخلفاء الراشدين، أ. د. فهد الرومي ص ١٩. من أهم المراجع التي أخذت منها.