٣ - إهمال المنسوخ وكتابة ما ثبتت قرآنيته فحسب، وقد فتح هذا العمل آفاقًا علمية جديدة خاصة لمن لم يشهد العرضة الأخيرة التي استقر عليها هذا الأمر.
٤ - كتابة تلك الصحف ورسمها بطريقة تحتمل جميع أوجه القراءة وفق الأحرف (١) السبعة التي نزل بها القرآن فَتَحَ بابًا للتعرف عليها وعلى ثبوتها واعتمادها ولاسيما لمن لم يكن يعلم ذلك من قبل، وهو الأمر الذي أشعل تلك الفتنة أول الأمر فأخمدها الله بهذا الجمع، والذي لم يهمل رسمه تلك الأوجه جميعًا، مما اشتملت عليه واستقرت عليه العرضة الأخيرة.
وبهذا العمل العظيم اجتمعت كلمة المسلمين وتآلفت قلوبهم واجتمعت كلمتهم على كتاب ربهم.
٥ - نشر تلك الصحف في الأمصار من قبل الخليفة الراشد يُعد بمثابة قرارًا رسميًا
باعتمادها وإهمال كل ما سواها، وبذلك يُحسم النزاعُ ويُرفع الشقاقُ نهائيًا حول الاختلاف الذي حدث في حروف الأداء ووجوه القراءة.
٦ - تلقت الأمة سلفًا وخلفًا الصحف العثمانية بالقبول والاعتماد، والمضي على العمل بالمصحف الإمام ووجوب التزام رسمه واتباعه، سواء كان هذا الرسم اجتهاديًا أم توقيفيًا، وإن
كان الجمهور على أنه توقيفي، يجب على الأمة اتباعه، ولا تجوز مخالفته، كما سيأتي بيان ذلك تفصيلًا في موضعه بإذن الله تعالى.
المطلب السادس: الكلمات التي اختلف رسمها في المصاحف العثمانية
من المعلوم أن الصحف في هذا الجمع كُتِبَت على حرف واحد وقراءة واحدة ولسان واحد، هو حرف ولسان قريش الذي نزل به القرآن وذلك وفق ما استقرت عليه العرضة الأخيرة.
و كُتِبَت تلك الصحف بخط يحتمل وجوه القراءات وذلك بتجريدها من الشكل والنقط والحركات، وكان من نتاج ذلك وجود كلمات يختلف رسمها وحرفها، فجرى العمل على أن كل لفظ لا يحتمله الرسم يُفَرِّق ويوزع على المصاحف التي ترسل إلى الأمصار، وكان من جراء ذلك أن خصصت بعض المصاحف برسم والأخرى برسم آخر يختلف في حرف أو حرفين حتى لا يكتب في مصحف واحد مرتين، ثم وزعت تلك المصاحف بعد ذلك على الأمصار.
وقد حُصِرَت تلك الكلمات في علم الرسم عند البعض في سبع وثلاثين كلمة، حَصرها من صنفوا في علم الرسم كأَبي عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: ٢٢٤ هـ) في "فضائل القرآن" وابن أبي داود السجستاني (ت: ٣١٦ هـ) في "كتاب المصاحف"، وأبي عمرو الداني (ت: ٤٤٤ هـ) في كتابه الشهير
(١) - قال العلامة اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي في "معجم العين": "وكل كلمة تقرأ على وجوه من القراءات تسمى حرفًا".