الإمام فيتبين فيه خللًا، ويشاهد في خطه زللًا فلا يصلحه! كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده. (١)
وهذا الأثر كما أسلفنا روي بعدة أسانيد وهي كلها ضعيفة ومعلولة ومضطربة وفيها جهالة بعض الرواة، كما أن فيها انقطاع كذلك، وهي كذلك من جهة المتن فيها نكارة، كما أن الرواة قد اضطربوا في ألفاظ هذا الأثر بين (سنقيمه بألستنا) وبين (ستقيمه العرب بألسنتها).
وفي مناقشة وتوجيه أثر عثمان-رضي الله عنه- يقول أبو عمرو الداني (ت: ٤٤٤ هـ) -رحمه الله- في "المقنع":
" فإن سأل عن السبب الموجب لاختلاف مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف، قلت: السبب في ذلك عندنا: أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما في المصاحف، ونسخها على صورة واحدة، وآثر في رسمها لغة قريش دون غيرها، مما لا يصحّ ولا يثبت: نظرًا للأُمّة واحتياطًا على أهل الملّة، وثبت عنده أن هذه الحروف من عند الله عز وجل كذلك منزلة، ومن رسول- الله صلى الله عليه وسلم- مسموعة، وعلم أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير متمكّن إلا بإعادة الكلمة مرتّين، وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم: ما لا خفاء به، ففرقها في المصاحف، لذلك: جاءت مثبتة في بعضها، ومحذوفة في بعضها، لكي
تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل وعلى ما سُمعت من-رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار.
" فإن قال قائل: فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة (٢) مولى ابن عباس عن عثمان- رضي الله عنه -: إن المصاحف لما نسخت عُرضت عليه فوجد فيها حروفًا من اللحن فقال: اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها. إذ يدل على خطأ في الرسم؟
قلت: هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة، ولا يصح به دليل، من جهتين:
أحدهما: أنه مع تخليط في إسناده، واضطراب في ألفاظه: مرسل؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئًا، ولا رأياه.
وأيضًا: فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان- رضي الله عنه -، لما فيه من الطعن عليه، مع محلّه من الدين، ومكانه من الإسلام، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة، فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظرًا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم، ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنًا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده
(١) - تفسير الألوسي- روح المعاني: (١/ ١٩٠).
(٢) قيل هو عكرمة الطائي، وهو مجهول لم يُوقف له على ترجمة.