وكانت في الشعراء، في قصة نوح: عليه السلام (مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، وفي قصة لوط عليه السلام: (مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، فغيَّر قصة نوح عليه السلام: (مِنَ الْمَرْجُومِينَ)،
(الشعراء من آية: ١١٦) وقصة لوط عليه السلام:) مِنَ الْمُخْرَجِينَ ((الشعراء من آية: ١٦٧).
وكانت في الزخرف: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَعَايِشَهُم)، فغيَّرها) مَعِيشَتَهُمْ (١)
وكانت في الذين كفروا (٢): (مِن مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ)، فغيَّرها:) مِن مَاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ (٣)
وكانت في الحديد: (فالذين آمنوا منكم واتقوا لهم أجرٌ كبير)، فغيَّرها:) وَأَنْفَقُوا ((الحديد من آية: ٧)
وكانت في إذا الشمس كُوِّرَتْ): وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ (، (٤) فغيَّرها:) بِضَنِينٍ (٥).
وهذه شبهة باردة لا تستحق الردَّ؛ فإنَّها تحمل في طيَّاتِها أمارات بطلانِها وردها، ولكن نذكر ما أجاب به أهل العلم عن هذه الكذبة، وهي أجوبة كثيرة، منها:
الجواب الأول: أن الروايات التي تعلقوا بِها في هذه الشبهة في غاية الضعف، ولا تقوم بمثلها حجة، فهذا الأثر المروي عن عوف بن أبي جميلة ضعيف جدًّا، ففيه عبّاد بن صهيب، وهو متروكٌ، ضعيف الحديث، وكان قدريًّا داعيةً، (٦) وكذلك عوف بن أبي جميلة، وإن كان ثقةً، إلا أنه متهم بالقدر والتشيع، وهذا الأثر -إن ثبت عنه- مما يؤيد دعوى الشيعة وقوع التحريف في القرآن، فهو متهم فيه. (٧)
الجواب الثاني: أنه لو حصل مثل ذلك لنقل إلينا نقلاً متواترًا، لأنه مِمَّا تتوافر الدواعي على نقله وتواتره. فلما لم ينقل إلينا بالنقل الصحيح، علم أنه كذب لا أصل له.
(١) سورة الزخرف من الآية ٣٢، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والأعمش (معايشهم)، وهي قراءة شاذة. يُنظر: تفسير البحر المحيط (٨/ ١٤).
(٢) يعني بها سور محمد المفتتحة بقوله سبحانه: (الذين كفروا) (محمد من آية: ١)
(٣) سورة محمد من الآية ١٥، وذكر فيها أبو حيان قراءة شاذة (ياسن) بالياء، ولم ينسبها لأحد. يُنظر: تفسير البحر المحيط (٨/ ٧٩).
(٤) سورة التكوير من الآية ٢٤، وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير بالظاء المشالة، وقرأ الباقون بالضاد، ولا فرق بينهما في الرسم، إذ لا مخالفة بين الضاد والظاء إلا تطويل رأس الظاء على الضاد، وهي في جميع المصاحف العثمانية بالضاد، وفي مصحف ابن مسعود بالظاء. يُنظر: النشر في القراءات العشر (٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩)، وإتحاف فضلاء البشر ص ٤٣٤.
(٥) - رواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف، باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف ص ٥٩، وباب ما غيَّر الحجاج في مصحف عثمان ص ١٢٩.
(٦) - يُنظر: لسان الميزان (٣/ ٢٧٩ - ٢٨٠).
(٧) وقد أخرج له البخاري في الصحيح. يُنظر: تقريب التهذيب (٢/ ٨٩)، وهدي الساري مقدمة فتح الباري ص ٤٥٥.