ومما يجلي ويعاضد رواية البخارية رواية ودراية ومعنى كذلك ما رواه حَيْدَرُ بْنُ عَلِيٍّ القَاشِيُّ (ت: ٧٧٦ هـ):
عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لا يَكْتُبُ المُعَوِّذَتَيْنِ فِي مُصْحَفِهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ قَال: قُلْ (أَعُوذُ برَب الفَلَقِ) فَقُلْتُهَا، فَقَال: (قُلْ أَعُوذُ برَب النَّاسِ) فَقُلْتُهَا، فَنَحْنُ نَقُولُ مَا قَالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-. (١)
المحور السابع: أقوال العلماء فيما رُوي عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين
الفاتحة والمعوذتان من سور القرآن بإجماع الأمة سلفًا وخلفًا، ولا يشك في ذلك إلا أهل الكفر والجحود والنكران، أو من رفعت عنه التكاليف لذهاب عقله، فلا يدري ما ركوع وما سجود وما قرآن.
وقد ظهر لنا جليًا الحكم على الآثار الواردة في هذا الصدد، ولا حاجة في إعادته هنا، ومع ذلك نقول:
أما فاتحة الكتاب:
١ - فإن دعواهم عدم كتابة ابن مسعود لفاتحة الكتاب في مصحفه لا يدل على إنكارها.
٢ - وهل يَظُن خفاء قرآنية الفاتحة على مثله، وهو من هو في علمه وفضله وسبقه للإسلام، وتعلمه وتعليمه للقرآن.
٣ - أضف إلى ذلك قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها في كل صلاة، وقوله لأصحابه، بل ولأمته: (لا صَلَاةَ إِلاَّ بِقِرَاءةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (٢)، وهكذا كل الأئمة من بعده- صلى الله عليه وسلم-وقد عايشهم-رضي الله عنه- زمنًا حتى وفاته عام ٣٢ هـ، ولا شك في أنه واحد منهم.
٤ - وقد علم المسلمون أن قراءة الفاتحةِ ركنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ للإمامِ والمنفردِ ولا تتم الصلاة إلا بها، وقد قال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صلَّى صلاةً لم يقرأْ فيها بفاتحةِ الكِتابِ، فهي خِداجٌ) (٣)، وقد اشتهر ذلك الحكم بين المسلمين، ومما يجلي هذا الأمر كذلك
(١) - المعتمد في المنقول: (٢/ ٥١٠).
(٢) - رواه البخاري: (٧٥٦)، ومسلم: (٣٩٤)، ورواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (١/ ٢١٦) ح ٨٢٠.
(٣) - رواه مسلم: (١٨٧٤) (٣٩٥).