مصاحفهم استجابة منهم لهذا الفعل العظيم، صيانة لكتاب الله وجمعًا لكلمة الأمة على أمر سواء، وقد مر معنا ذكر ذلك مرارًا في ثنايا البحث.
ومن أبرز ذلك قول علي بن أبي طالب (ت: ٤٠ هـ) - رضي الله عنه-:
"يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف .. فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منّا جميعًا، .. إلى أن قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف … ، قلنا: فنعم ما رأيت .. قال على: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل". (١) وقد مر عنا ذكر هذا الخبر قبل قليل بطوله فناسب ذكره هنا مقتضبًا.
ويقول- رضي الله عنه- أيضًا:
دعانا-عثمان-فقال: ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أن بعضكم يقول: قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرًا، وإنكم إن اختلفتم اليوم كان لمن بعدكم أشد اختلافًا. قلنا: فما ترى؟ قال: أن أجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت. (٢)
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص (ت: ١٠٣ هـ) قال:
أدركت الناس متوافرين حين حرّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك- أو قال- لم ينكر ذلك منهم أحد. (٣)
وإن إقرار جميع الصحابة- رضي الله عنهم - لفعل عثمان يُعد إجماعًا منهم، وإقرار على بن أبي طالب، وبعده قول مصعب بن سعد يقرر الإجماع السكوتي كذلك. ويكفي أن عثمان-رضي الله عنه- قد فعل ذلك والصحابة متوافروِن، فلم ينكر عليه أحد منهم أبدًا.
والأهم من هذا كله أن بعض الصحابة ممن كان له مصاحف خاصة كأبي بن كعب وابن مسعود وعلى بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري والمقداد بن الأسود وأبي الدرداء وابن عباس وغيرهم- لم يعترض منهم أي أحد-، بل إنهم قد أجمعوا على صحة فعل عثمان في تحريق المصاحف، و تمت ذلك أمام أعين كبراء الصحابة وفضلائهم- رضي الله عنهم أجمعين-.
وقد رضي الصحابة - رضى الله عنهم - ما صنعه عثمان - رضى الله عنه - وأجمعوا على صحته وسلامته، وقال زيد بن ثابت - رضى الله عنه - "فرأيت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان". (٤)
(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري: (١/ ١٧).
(٢) يُنظر: المصاحف لابن أبي داود: (ص ٩٦).
(٣) ابن حجر في الفتح ٨/ ٦٨٢
(٤) - غرائب القرآن للنيسابوري (١/ ٢٧).