وحينما بدأ تكثيف إنتاج إصدار المجمع من المصاحف وطباعتها بكميات كبيرة ضخمة تتناسب مع رسالة المملكة من تغطية حاجة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لمصحف موثق ومأمون عقدة لجنة علمية ذات مكانة مرموقة وموثوقة في القاهرة برئاسة الشيخ العلامة عبد المتعال منصور عرفة (ت: ١٤١٣ هـ) -رحمه الله- في مطلع عام ١٤٠٧ هـ ممثلًا لمجمع الملك فهد لاختيار نخبة مختارة من خريجي جامعة الأزهر- أعرق جامعة إسلامية عرفها التاريخ- ليكونوا في طليعة من يتشرف بالعمل على المراحل الختامية لهذا العمل الجليل، فتقدم لهذا العمل أعداد غفيرة وتم اختيار نخبة من صفوتهم لينالوا هذا الشرف المروم.
ولقد تفضل الله تعالى وامتن على الباحث ذاك العبد الضعيف الفقير إلى عفو ربه كاتب هذه السطور ليتشرف بمكانة لا يستحقها ولكنها من محض فضل ربه الكريم أن يكون مع هؤلاء القوم راجيًا أن يكون جليس القومِ الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: (هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى
بهِمْ جَلِيسُهُمْ) (١)، فاختير ليكون في طليعة من تشرف بالإشراف على آخر مرحلة عمل في مصحف المدينة النبوية في "قسم التفتيش" في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-، ولقد شاهد بأم عينيه ضخامة هذا العمل العظيم وما أنفق عليه من أموال طائلة وجهود علمية وعملية وإدارية وتنظيمية جبارة تعجز الكلمات عن وصفها والأقلام عن تسطيرها، وقد وقف على ذلك بنفسه.
مقارنة بين جمع القرآن في صدر الإسلام وطباعته في مجمع الملك فهد -رحمه الله-
وبمقارنة تاريخية بين جمع القرآن الكريم في صدر الإسلام وبين آخر عهدنا المعاصر، وبعقد مقارنة تاريخية بين جمع القرآن في عهوده الثلاثة وبين عمل مجمع الملك فهد يتبين له ما يلي:
أولًا: ما تميز به في عهوده الثلاثة
١ - قوة وعمق إيمان الصحابة الكرام- رضي الله عنهم- الذي أدي إلى عنايتهم البالغة بكتاب ربهم
٢ - علو همتهم المتمثلة في الجهود الجبارة التي قاموا بها تجاه القرآن الكريم وجمعه في السطور وحفظه في الصدور
٣ - المشقة البالغة والمعاناة الشديدة التي واجهتهم في مع ندرة أدوات الكتابة وكونها بدائية للغاية
٤ - تخطي كل العقبات والأزمات والأحوال والملابسات التي عايشوها وقت الجمع في عهوده الثلاثة
(١) - رواه مسلم (٢٦٨٩).