الثانية وكتابتها ميمًا واحدة مشدّدة، فقطع (أمْ) في الآية الأولى في الكتابة للدلالة على أنَّها (أمْ) المنقطعة التي هي بمعنى (بلْ)، ووصل (أمْ) الثانية للدلالة على أنها ليست كذلك!
٣ - الدّلالة على معنى خفي دقيق، كزيادة الياء في كتابة كلمة (أيْد) من قوله تعالى: (وَالسَّمَآء بَنَيْناهَا بِأَيْدٍ) (الذاريات من آية: ٤٧) (١) - بياءين- وذلك للإيماء إلى تعظيم قوة الله التي بني بها السماء وأنها لا تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة: (زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى).
ومن هذا القبيل: حذف الواو من قوله: (وَيَدْعُ الإِنسَانُ) (الإسراء من آية ١١) (وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ) (الشورى من آية: ٢٤)، للدلالة على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدة قبول المنفعل، للتأثر به في الوجود.
٤ - إفادة بعض اللغات الفصيحة، مثل قوله سبحانه وتعالى: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (هود من آية: ١٠٥) كتب بحذف الياء هكذا (يَأْتِ) للدلالة على لغة هذيل.
٥ - حمل الناس على أن يتلقوا القرآن من صدور ثقات الرجال، ولا يتكلوا على هذا الرسم العثماني الذي جاء غير مطابق للنطق الصحيح في الجملة.
وينضوي تحت هذه الفائدة مزيتان:
المزية الأولى: التوثق من ألفاظ القرآن وطريقة أدائه وحسن ترتيله وتجويده، فإنّ ذلك لا يمكن أنْ يعرف على وجه اليقين من المصحف، مهما تكن قاعدة رسمه واصطلاح كتابته، فقد تخطئ المطبعة في الطبع، وقد يخفى على القارئ بعض أحكام تجويده، كالقلقة والإظهار والإخفاء والإدغام والإشمام ونحوها، فضلًا عن خفاء تطبيقها.
ولهذا قرّر العلماء:
أنه لا يجوز التعويل على المصاحف وحدها، بل لابدّ من التثبت في الأداء والقراءة، بالأخذ عن حافظ ثقة.
وإن كنت في شك فقل لي بربّك:
هل يستطيع المصحف وحده بأيّ رسم يكون، أن يدل قارئًا أيًا كان على النطق الصحيح بفواتح السور الكريمة، مثل: كهيعص، حم، عسق، طسم؟ ومن هذا الباب الرّوم والإشمام في قوله سبحانه: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) (يوسف من آية ١١).
(١) - بأيد يعني بقوة، قال الطبري: يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفًا بقوة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. يُنظر: تفسير الطبري: (١١/ ٤٧٢).، وقال ابن كثير:) بأيد) أي: بقوة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والثوري، وغير واحد.، يُنظر: تفسير ابن كثير: (٤/ ٢٦٠). وهذا ما عليه جماهير المفسرين من السلف ولا يعلم له مخالف، وذلك لأن الآية خرجت عن مخرج آيات الصفات، فليست من التأويل في شيء، وعليه جرى التنبيه. الباحث.