"الأجزاء" التي يتعلم فيها الصغار ومن في حكمهم من الكبار، ليتعرفوا على قواعد الرسم منذ طفولتهم، ونعومة أظفارهم، وعلى معلمي القرآن -حيث كانوا- ألا يدخروا وسعًا في تعليم أبنائهم تلك القواعد من الصغر، حتى يشبوا وقد وقفوا عليها، وأحاطوا بها خبرًا، وأصبحت القراءة في المصحف ميسورة عليهم وسجية لهم" (١)
ومن أبرز ما استدل به أصحاب الرأي الأول ما يلي:
أ- الإجماع الذي حكاه القاضي عياض (ت: ٥٤٤ هـ) -رحمه الله- في "الشفا" حيث يقول: وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفًا قاصدًا لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدًا لكل هذا -أنه كافر- عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: ٤١ - ٤٢) (٢).
ب- اتفاق العلماء الذي حكاه ابن حزم (ت: ٤٥٦ هـ) -رحمه الله- في "مراتب الإجماع" على: أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفًا من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفًا، أو بدل منه حرفًا مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمدًا لكل ذلك عالمًا بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر (٣).
ج- وما أجاب به الإمام مالك (ت: ١٧٩ هـ) - وقد سئل -رحمه الله-:
"هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء؟ فقال" لا إلا على الكتبة الأولى" (٤).
د- وما نص عليه الإمام أحمد بن حنبل (ت: ٢٤١ هـ) -رحمه الله- بقوله:
"تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو، أو ياء أو ألف أو غير ذلك (٥).
هـ- وما رواه أبو عمرو الداني بإسناده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال:
(١) تاريخ المصحف الشريف للقاضي: (ص ١٠٤ - ١٠٥).
(٢) -الشفا، للقاضي عياض: (٢/ ٣٠٤).
(٣) مراتب الإجماع: (ص: ٢٧٠).
(٤) المقنع، لأبي عمرو الداني: (ص: ٩).
(٥) يُنظر: البرهان للزركشي: (١/ ٣٧٩).، الإتقان للسيوطي: (٤/ ١٤٦).