الجانب العقدي الذي بُنِي عليه أس الإسلام، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يُطْلِق على سور المفصّل "لباب القرآن". "لأنه فصل فيها ما أجمل في غيره". (١)
فعن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلَامِ، نَزَلَ الحَلَالُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ
بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) (القمر: ٤٦) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ. (٢)
وروى الإمام مالك (ت: ١٩٧ هـ) في "موطئه" عن يحيى بن سعيد القطان، أنّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال لإنسان: إِنَّكَ فِي زَمَانٍ قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ، وَيُضَيَّعُ حُرُوفُهُ، قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ، كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةَ، وَيُقْصِرُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، يُبْدُونَ فِيهِ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ، قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ، تُحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ، وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَل، قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي، يُطِيلُونَ الْخُطْبَةَ، وَيُقْصِرُونَ الصَّلاةَ، وَيُبْدُونَ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ. (٣)
إنما عظُم فيهم من جمع بعض سور القرآن، لما كان من شأنهم العمل بالقرآن، ولذا يقول أنس - رضي الله عنه-: "كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا". (٤)، يعني: عظُم شأنه وارتفع قدره فينا، لعمله بمقتضى ما حفظ.
ويؤكد ابن عمر (ت: ٧٣ هـ) - رضي الله عنهما- هذا المعنى فيقول:
كان الفاضل من أصحاب رسول الله في صدر هذه الأمة لا يحفظ من القرآن إلا السورة ونحوها ورزقوا العمل بالقرآن، وإن آخر هذه الأمة يقرؤون القرآن، منهم الصبي والأعمى ولا يرزقون العمل به. (٥)
وتحقيقًا لهذا المطلب الأسنى تراهم يتأخرون جدًا في حفظ السورة من القرآن، و ليس هذا من باب العجز عن الحفظ أو قصورًا في ذلك، وإنما لانشغالهم بالعمل بما دلت عليه آيات تلك
(١) مرعاة المفاتيح، كتاب فضائل القرآن (٧/ ٢٥٤).
(٢) - رواه البخاري (٤٩٩٣).
(٣) موطأ مالك، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة (١/ ٥٩٨).
(٤) - تفسير البغوي: (٨/ ٢٣٨).
(٥) تفسير القرطبي (١/ ٣٩).