صحة الأداء:
وخاتمة هذا المبحث لريحانة الأداء الشيخ محمود خليل الحصري (ت: ١٤٠٠ هـ) حيث يقول - رحمه الله - عن صحة الترتيل:
الترتيل: وهو تجويد كلماته، وتقويم حروفه، وتحسين أدائه، بإعطاء كل حرفٍ حقَّه، ومنحه مستحقَّه من الإجادة والإتقان، والتحقيق والإحسان.
ولا يكون ذلك إلا بتصحيح إخراج كلِّ حرفٍ من مخرجه الأصلي المختصِّ به، تصحيحًا يمتاز به عن مُقارِبِه، وتَوْفِيَة كلِّ حرفٍ صفته المعروفة به توفيةً تُخرجه عن مجانِسه، مع تيسير النطق به على صفته الحقيقية، وهيئته القرآنية.
ومع العناية بإبانة الحروف، وتمييز بعضها من بعض، وإظهار التَّشديدات، وتحقيق الهَمَزات، وتوفية الغُنَّات، وإتمام الحركات، والإتيان بكلٍّ من الإظهار والإدغام والقَلْب والإخفاء على حقيقته التي وردت عن أئمَّة القرآن.
ومع تفخيم ما يجب تفخيمه من الحروف، وترقيق ما يجب ترقيقه منها، وقَصْر ما ينبغي قَصْرُه، ومَدِّ ما يتعين مدُّه، ومع ملاحظة الجائز من الوقوف، والممنوع منه؛ ليوقَفَ على ما يصحُّ الوَقْف عليه، ويوصَلَ ما لا يصحُّ الوَقْف عليه.
ثم هو يحذر من التعسف والتشدق فيقول- رحمه الله -:
على أن يكون ذلك كله من غير تشدُّق ولا إسراف، ولا تصنُّع ولا اعتساف، ولا خروج عن الجادَّة إلى حدِّ الإفراط الذي قد ينشأ عنه تحريك السواكن، وتوليد الحروف، وتكرير الراءات، وتطنين النونات بالمبالغة في الغنَّات، إلى غير ذلك مما ينفر منه الطَّبْع السليم، ويأباه الذَّوْق المستقيم.
ثم هو يحذر القارئ من الإسراع والعَجَلَة في القراءة، ويوجه إلى التؤدة والاطمئنان فيقول - رحمه الله -:
وعلى أن يكون ذلك كلُّه - أيضًا - في تؤدةٍ وطمأنينةٍ، وبُعْدٍ عن الإسراع والعَجَلَة.
وهذه الكيفيَّة هي التي نزل بها القرآن الكريم، وهي المرادة من الترتيل الذي أمر الله به نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً) (المزمل: ٤). (١)
الضابط الرابع: القراءة بتؤدة واطمئنان، مع العناية بمخارج الحروف ومساواة الغنن والمدود وضبط مقاديرها، ومرعاة مراتب التّفخيم والتّرقيق، وتوفية الحركات حقها.
وهذا الضابط من الأهمية بمكان لتفادي أي لحن خفي، إذ إن الكثير من القراء المعاصرين لهم اختلاسات واضحة وجلية تظهر لأهل التحقيق والتدقيق من أئمة الأداء وسادة الإقراء لأول وهلة،
(١) أحكام قراءة القرآن الكريم، للشيخ محمود خليل الحصري (ص: ٣٨٩).