وهذا العلم، علمٌ دقيق رقيقٌ قلَّ مَنْ يُتْقِنَه ونَدُرَ من يُحسنهُ، فكثيرًا ما تسمع من بعضِ القراء وقفًا قبيحًا مغايرًا للمعنى المراد، فيُكَدِّرُ سمعك ويُحْزِنُ قلبك.
لذا ينبغي على قارئ القرآن الاهتمام بضبطُ قواعدِ الوقفِ والابتداءِ الكليةِ والعناية بمواضعها الدقيقة، لما يترتب من جراء ذلك من تولد المعاني الصحيحة التي وضعت علامات الوقف والابتداء في المصاحف من أجل تحصيلها. (١)
صفة اتقان علم الوقف والابتداء
ولمكانة علم الوقف والابتداء وقدره فقد ذكر أئمة الأداء جمعًا من العلوم يجب أن تتحقق فيمن يقوم عليه بالتمام، ويتصدر له ويتقنه بكمال وإحسان.
قال أبو بكر بن مجاهد التميمي (ت: ٣٢٤ هـ) - رحمه الله -:
لا يقوم بالتمام إلا نحوي عالم بالقراءة عالم بالتفسير، عالم بالقصص وتلخيص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن. (٢)
أهمية مراعاة الوقف والابتداء
ولقد تضافرت الأدلة على أهمية مراعاة الوقف والابتداء؛ وقد كثرت النقول التي تدل على عناية سلف الأمة السلف بهذا العلم الجليل وتطبيقه عمليًا عند تلاوتهم للقرآن. قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمل: ٤) فهذا أمر من الله تعالى بترتيل القرآن، وندب منه سبحانه للعباد إلى ترتيل كلامه المنزل؛ ومراعاة الوقوف لا شك أنها داخله في ذلك ضمنًا.
قال ابن عباس (ت: ٦٨ هـ) - رضي الله عنهما-:
في قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}. (بينه تبيينًا) (٣)
وقال الحسن:
اقرأه قراءة بيِّنة. وقال مجاهد: بعضه على إثر بعض على تؤدة وقال أيضًا: (ترسَّل فيه ترسُّلا) (٤).
(١) هذا الكلام لم يُكْتَب بقلم الباحث، فنقله هكذا، ولم يقف له على عزو، وعليه جرى التنبيه.
(٢) -القطع والاستئناف. (ص: ٩٤).
(٣) - رواه أحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر النسخة المسندة (٤/ ٣٧٧٧) ومختصر إتحاف المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (٨/ ٦٥٩٠) ورواه الطبري جامع البيان (١٢/ ١/ ١٢٧) وابن النحاس القطع (١/ ٧٤) وينظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٦/ ٢٧٧).
(٤) - مصنف عبد الرزاق (٢/ ٤٩٠) ومصنف ابن أبي شيبة (١٠/ ٥٢٥) جامع البيان (١٢/ ١/ ١٢٧) والتمهيد في معرفة التجويد لأبي العلاء الهمذاني: (١٤١) والدر المنثور: (٦/ ٢٧٧).