قال أبو عبيد القاسم بن سلام (ت: ٢٢٤ هـ) -رحمه الله-:
حدثني يحيى بن سعيد القطان عن شُعبة بن الحجَّاج قال: "نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث: "زينوا القرآن بأصواتكم" (١).
قال أبو عبيد:
وإنما كره أيوب فيما نرى أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذه الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به. (٢)
فحَمْلُ هذه الألفاظ العربية والاستدلال والاحتجاج بها على جواز استعمال "المقامات الموسيقية" وقراءة القرآن بها وإباحتها، بورود مثلها في بعض الأحاديث واستعمال أهل العلم لها،
فلاشك في أن هذا خطأ ظاهر جلي، وقد نبه على ذلك جمع من أهل العلم، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وابن كثير وغيرهم من أهل العلم الأثبات.
حَسْمُ ابنِ القيم (ت: ٧٥١ هـ) -رحمه الله -الخلاف في هذه المسألة:
وقد حَسَمَ الإمامُ ابن القيم الخلاف في هذه المسألة، وذكر إجماع السلف على منع القراءة بالألحان الموسيقية، وتلاوة القرآن بطريقة أهل الفسق والمجون التي يستخدمها أهل الخلاعة من المغنين وأضرابهم، وهي ما يعرف في عصرنا الحاضر بـ"المقامات الموسيقية"، كما فرق رحمه الله بين الطبيعة الجبلية في القراءة وبين التكلف المذموم في التغني بالقرآن حتى يصل إلى حد التمطيط، وهم لا يحصل لهم ذلك إلا بالتعلم والتمرن والتصنع كما يفعل ذلك أهل الغناء بألحان وإيقاعات مخصوصة على أوزان مخصوصة قد اخترعوها وابتدعوها.
وقد أطال فيها النفس بعد أن ساق الأدلة المسكتة التي برهن بها على بطلان تلك الفعلة الشنيعة، ثم بين هنا أن التغني منه المحمود ومنه المذموم.
فقال في ذلك رحمه الله: وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى الأشعري للنبي- صلى الله عليه وسلم- "لو علمت أنك تسمع
(١) أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (٧٥٤٤)، من حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه، وأخرجه موصولاً أبو داود (١٤٦٨)، والنسائي (١٠١٥)، وابن ماجه (١٣٤٢)، وأحمد (١٨٥١٧) مختصرا، والحاكم (٢١٢٥) واللفظ له،. وإسناده صحيحٍ، وأصله في صفة الصلاة للألباني (٢/ ٥٧٠).
(٢) فضائل القرآن لأبي عبيد (١/ ٣٣٥).