وأخيرًا بعد البحث القاصر في هذه المسألة فإنه يجب الإشارة إلى بعض التنبيهات الهامة على النحو التالي:
التنبيه الأول: أن قراءة القرآن بتلك "المقامات" أمر محدث ليس عليه عمل السلف.
ولذا لا يحل لمسلم أن يقرأ القرآن إلا بالطريقة التي تعبد الله تعالى بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهي التي تلقاها عن الأمين جبريل عليه السلام وعلمها أصحابه، وهي التي تواتر نقلها مشافهة عنهم حتى وصلت إلينا على الحال الأولى التي نزل بها القرآن.
التنبيه الثاني: أنه يجب تنزيه القرآن عن العبث بأي صورة وتحت أي مسمى، ولا سيما بما يسمى بـ" المقامات الموسيقية"، إجلالًا وتوقيرًا وتعظيمًا لكلام الله جل في علاه.
التنبيه الثالث: لقد أنزل الله القرآن لِيُتدبر كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: ٢٩)، أي: ليتدبَّروا حُجَج الله التي فيه، وما شرع فيه من شرائعه، فيتعظوا ويعملوا به (١)، ولا شك في أن تعلم أن تلك المقامات صارف عن التدبر الذي أنزل القرآن لأجله.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -:
ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفًا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء لا يتدبره ولا يعقله، وأن يبقى المستمعون يصغون إليه لأجل الصوت الملحَّن كما يصغى إلى الغناء لا لأجل استماع القرآن وفهمه وتدبره والانتفاع به. (٢)
ويقول ابن رجب (ت: ٦٩٥ هـ) رحمه الله:
وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تُهيِّج الطباع وتلهي عن تدبر ما يحصل له الاستماع حتى يصير الالتذاذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبّر معاني القرآن. (٣)
قال ابن الصلت الأهوازي (ت: ٤٠٨ هـ) - رحمه الله -:
سمعت جماعة من شيوخي يقولون لا يجوز للمقرئ أن يقرأ بخمسة أضرب:
بالترقي، والترعيد، والتطريب، والتلحين، والتحزين؛ إذ ليس لها أثر ولا نقل عن أحد من السلف، بل ورد إلينا أن بعض السلف كان يكره القراءة بها. (٤)
(١) - تفسير الطبري (٧٩/ ٢٠).
(٢) جامع المسائل (٣/ ٣٠٥).
(٣) نزهة الأسماع في مسألة السماع: (ص: ٨٥).
(٤) -الإقناع في القراءات السبع (١/ ١٥٥).