المطلب الثالث: آفات ومعوقات في طريق التسجيل الصوتي للقرآن الكريم في عصرنا الحاضر
لقد مر معنا في طيات البحث مدى العناية الكبيرة التي حظى بها في عهود الثلاثة، كما حظى المصحف الشريفة نفسه كذلك بعناية بالغة ودقيقة في طباعته حتى وصل لمرحلة من الكمال والتمام والإتقان والضبط والمراجعة التي لا يُظن أنه يمكن معها إضافة أي شيء جديد له بعدها، بداية من ناحية التدقيق والتحقيق والإخراج العلمي الصحيح الخالي من أي أخطاء، ثم من جهة جودة طباعته، ثم مرورًا بجودة الخامات المستخدمة في طباعته حتى خرج في أبهى حلة تليق بكلام مليكنا جل في علاه، فوصلت العناية بطباعة المصحف الشريف إلى صورة طيبة لم تكن لتخطر ببال بشر من قبل، وهذا مما لاشك فيه يدلل على حب المسلمين وصدق إيمانهم وتعظيمهم لربهم وإجلالهم لدينه ولكتابه وتعظيمهم لحرماته وشعائره سبحانه.
فكما كان الأمر كذلك في المصحف وطباعته، فيجب أن يكون الأمر مع المصحف المسجل "صوتيًا" كذلك، وقد مر معنا في طيات البحث بيان ذلك بشيء من التفصيل.
وقد شاع في الناس وانتشر فيهم ظهور تسجيلات صوتية للقرآن الكريم بأصوات جمع غفير من القراء لا يحصيهم عددًا وكثرة إلا خالقهم سبحانه، ويرجع ذلك لأسباب عديدة، ولعل من أبرزها ما يلي:
أولًا: انتشار المحافل التعليمية المتنوعة والتي تعنى بتعليم القرآن الكريم في بلاد الإسلام، من المدارس والمعاهد والجامعات، وحلق التحفيظ في المساجد، وفي الكتاتيب والمحاضر،
والمراكز التعليمية وغيرها من المؤسسات المعنية بتعليم كتاب الله الكريم، ولاشك أن في ذلك من الخير والفضل العميم ما لا يحصيه إلا الله.
ثانيًا: تُخَرُج الكثير من الحفاظ والقراء من تلك المحافل التعليمية وحرصهم على ظهور وبروز أصواتهم، مع عدم النظر لمستوى الأداء وجودة القراءة وسلامتها من اللحن، مما شجع الكثير منهم على تسجيل صوته، وذلك قد يكون رغبة في المشاركة في الخير، وطلبًا لعظيم الأجر، كما قد يكون لغير ذلك، ونوايا العباد لا يعلمها ولا يَطَّلِع عليها إلا من يعلم السر وأخفى.
ثالثًا: ظهور بروز الكثير من القراء في مسابقات القرآن الكريم المحلية والدولية مما شجع على ذلك أيضًا.
رابعًا: حرص الكثير منهم على الظهور في وسائل الإعلام من الفضائيات والإذاعات وغيرها قبل أن يستوي على سوقه.
خامسًا: انتشار وتنوع وسائل التسجيل الحديثة والتي يمكن لكل أحد تناولها بسهولة ويسر ومن أقربها الهواتف الذكية المحمولة في أيدي الناس اليوم، والتي يملكها الصغير والكبير، والغني والفقير، مع سهولة بث تلك التسجيلات بلا كلفة ولا مشقة، مما شجع على ذلك، ولعل هذه