عليه وسلم قرأ خِلَافَهَا، قال: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ فَاقْرَآ " أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ: " فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَأُهْلِكُوا". (١)
ومملا شك فيه أن إنزال الله تعالى القرآنَ على سبعة أحرف؛ فيه ترخيصٌ وتوسعةٌ وتخفيفٌ وتهوينٌ وتيسيرٌ على هذه الأمة، كما سيأتي بيان ذلك بشيء من التفصيل والإيضاح في مبحث "أسباب ورود القرآن على سبعة أحرف" بإذن الله تعالى.
والمؤمن له يقرأ بما يتيسر له من أي حرف من تلك الحروف، دون إلزام له بأي حرف منها، فكلها قد نزل به القرآن، وهو مُتَعَبَد لله تعالى بأي منها.
المطلب الثالث: أسباب ورود القرآن على سبعة أحرف
إن هذه الأمة هي آخر الأمم وجودًا، وهي أمة عزيزة على خالقها، وهي أمة مرحومة، ومن رحمة ربها بها أن رَفَع عنها ما كان من الإصْرٍ والأغْلالٍ التي كُتِبَت على مَن سبَقَها من أمم، كما قال سبحانه: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف: ٢٧).
ولقد كان من أبلغ مشاهد رحمته سبحانه بها إنزال كتابه الخاتم وتيسر قراءته، ووروده على سبعة أحرف وذلك لأسباب كثيرة،
ولعل من أبرزها ما يلي:
أولًا: التيسير على هذه الأمة والتهوين عليها رحمة بها وتوسعة عليها
فإن التيسير والتهوين على هذه الأمة والتوسعة عليها في قراءتها للقرآن الكريم قد دلت عليه أحاديث كثيرة صحاح، وقد مر معنا ذكرها آنفًا.
و لو نزل القرآن على حرف واحد لشق ذلك على الأمة العربية؛ فقد كانت متعددة اللغات واللهجات، وما يتسهل النطق به على البعض لا يسهل على البعض الآخر، وكانت تغلب عليها الأمية، فلا عجب أن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الاستزادة من الحروف حتى بلغت سبعة أحرف.
والتوسعة على الأمة لم تكن في مبدأ الدعوة، بل كانت بعد الهجرة وبعد أن دخل في الإسلام كثير من القبائل غير قريش، فكانت الحاجة ماسة إلى هذا التسهيل، وتلك التوسعة، يشهد لهذا حديث مسلم: أن النبي كان عند أضاة بني غفار … الحديث، وهي بالمدينة النبوية، كما ذكرنا آنفًا. (٢)
(١) أخرجه البخاري في - كتاب فضائل القرآن- باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. ح (٥٠٦٢).
(٢) - المدخل لدراسة القرآن الكريم، الدكتور محمد محمد أبو شهبة (ص: ٢٦ - ٢٧).