يستحسن رجل لنفسه حرفًا شاذًا فيقرأ به من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام، ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزًا. في العربية أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه. (١)
وفي نحو ذلك يقول تلميذه أبو طاهر بن أبي هاشم (ت: ٣٤٩ هـ) - رحمه الله -:
سأل رجل ابن مجاهد: لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفًا يحمل عليه؟ فقال: نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا، أحوج منّا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا. (٢).
ففي القرون المفضلة الأولى كثر قُرَّاء القرآن ومتعلموه، وقراءة هؤلاء هم من قد انطبقت على قراءتهم شروط الصحة والقبول التي وضعها العلماء، ألا وهي:
١ - موافقة القراءةِ للغة العربية ولو بوجه
أي توافق اللغة العربية مطلقًا، ولو بوجه من وجوه الإعراب، ولا يلزم ولا يُشْترِط أن توافق الأفشى والأكثر شيوعًا في اللغة؛ بل يكفي أن توافق أي وجه من أوجه العربية، إذ المعول عليه هو الأثبت في الأثر والأصح في النقل، ذلك لأن ثبوت الرواية لا يردها قياس اللغة ولا فشوها، وذلك
لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها واعتمادها والرجوع إليها، وهذا هو المختار والمعتبر عند المحققين من أهل العلم، ذلك لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، فلا يمكن أبدًا تصور وجود قراءة صحيحة وهي غير متلائمة ومتوائمة مع قواعد اللغة التي أُنزِل بها القرآن أبدًا.
٢ - موافقة القراءة للرسم العثمانيِّ ولو احتمالاً
والمقصود بموافقة القراءة للرسم العثمانيِّ هو أن تكون تلك القراءة موافقة للمصحف الإمام، أو لأي من المصاحف العثمانية التي وجهها عثمان رضي الله عنه وبعث بها إلى الأمصار.
ومعنى موافقة الرسم العثماني ولو احتمالًا، أي: ما تحتمله الكلمة في رسمها، بحيث تكون موافقة للرسم العثماني ولو تقديرًا، وهذا الضابط يجعل المصاحف العثمانية هي أساس القراءات القرآنية ومرجعها الرئيس.
وذلك لأن كتابة الصحابة رضي الله عنهم للمصاحف العثمانية كانت مشتملة على جميع القراءات الصحيحة المتواترة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما صراحة أو احتمالًا، إذ موافقة الرسم العثماني قد تكون تحقيقًا، أي صراحة، وذلك إذا كان مطابقًا للرسم المكتوب، وقد تكون تقديرًا، أي احتمالًا، وذلك باعتبار أن رسم المصاحف العثمانية له أصول خاصة تسمح بقراءتها على أكثر من وجه، ومن أبرز أمثلة ذلك قوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة: ٤) رسمت هكذا (ملك)
(١) -جمال القراء وكمال الإقراء (١/ ٤٣٦).
(٢) معرفة القراء الكبار، للذهبي (١/ ٢١٧).