ولقد رأى القائلون بِهذا القول ندرة الكلمات القرآنية التي يصدق عليها ما رأوه في المراد بالأحرف السبعة، فقالوا إنَّها نسخت، أو اتفق الصحابة على منع القراءة بِها، وكتبوا المصاحف على حرف واحد، هو لسان قريش.
واحتج القائلون بِهذا القول بأدلة منها:
١ - قول عثمان رضي الله عنه لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ. (١) قالوا: وهذا يدل على أنَّهم جمعوا القرآن على حرف واحد، وهو لسان قريش، وتركوا ما سوى ذلك من الأحرف الستة.
٢ - أن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر خاصة؛ للضرورة؛ لاختلاف لغة العرب ومشقة أخذ جميع الطوائف بلغة واحدة، فلما كثر الناس والكتاب، وارتفعت الضرورة ارتفع حكم هذه السبعة، ورجَّح ذلك قيامُ الخلاف بين القراء، بما كاد يؤدي إلى فتنة عظيمة، فأجمعت الأمة بقيادة إمامها الناصح الشفيق عثمان بن عفان رضي الله عنه على أن تقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة، جمعًا لكلمة المسلمين، فأخذت به، وأهملت كل ما عداه، فعاد ما يُقرأ به القرآن على حرفٍ واحدٍ. (٢)
٣ - أن القراءة على الأحرف السبعة لم تكن واجبةً على الأمة، وإنما كانت جائزةً لهم مرخصًا لهم فيها، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا شائعًا، وهم معصومون من الضلالة، ولم يكن في ذلك ترك واجب ولا فعل حرام. (٣)
٤ - ثم اختلف القائلون بأن الباقي من الأحرف السبعة هو حرف واحد، هل نسخت الأحرف الستة في حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أو أن الصحابة اتفقوا على تركها؟ فذهب أكثرهم إلى أنَّها
نسخت في حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، واستقر الأمر على حرف واحد (٤)، وذلك بعدما لانت ألسنة العرب بالقرآن، وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة.
قال القرطبي: (ت: ٦٧١ هـ) -رحمه الله-:
ثم اختلفوا: هل استقر في حياته صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والأكثرون على الأول. (٥)
(١) - رواه البخاري في صحيحه: كتاب المناقب باب نزل القرآن بلسان قريشٍ (٦/ ٦٢١) ح ٣٥٠٦.
(٢) - تأويل مشكل الآثار للطحاوي (٤/ ١٩٠ - ١٩١)، ويُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي (٦/ ١٠٠).
(٣) - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (١٣/ ٣٩٥ - ٣٩٦).
(٤) - ويرد هذا القول اختلاف القراء في فتح إرمنية وأذربيجان، وإنكار حذيفة الأمرَ ورفعه لعثمان.
(٥) يُنظر: البرهان في علوم القرآن (١/ ٢١٣).