وفي نحو ذلك أيضًا يقول البغوي (ت: ٥١٦ هـ) - رحمه الله -:
ولا يكون هذا الاختلاف داخلاً تحت قوله سبحانه وتعالى: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرًا) (النساء: ٨٢)، إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء مما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله عز وجل، نزل بها الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله عليه السلام: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف)، فجعل الأحرف كلها منزلة. (١)
فقول البغوي: (إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء مما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة).
هو ردٌ رصين:
يرد فيه هنا على من زعم أن الأحرف السبعة رخصة تقرأ بها كل قبيلة بلهجتها الخاصة من قِبَلِ نفسها، مدعين أن أمر الأحرف السبعة لو كان مقصورًا على المسموع من النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، حتى لو كان ذلك في صفة الأداء، إذًا لانتفت الحكمة التي من أجلها كانت الاستزادة من تلك الأحرف، والتي كانت من أبرزها الرفق بالضعفاء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بقوله: "إني أرسلت إلى أمة أمية فيهم الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابًا قط" (٢).
فيؤخذ من فحوى كلامهم أنه يباح لكل قبيلة أن تقرأ بالمرادف ولو لم يكن له مسموعًا، أي دون أن يكون الأمر بالرواية والسماع بلفظ متلقى من النبي صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الخامسة والأخيرة: أبرز أقوال الرافضة وعقائدهم في الأحرف السبعة
كانت الوقفات السابقة بمثابة مقدمة بين يدي هذه الوقفة الخامسة والخاتمة والأخيرة، فلسنا هنا في حاجة لتقدمة أخرى وللننتقل لأبرز أقوال الرافضة وعقائدهم في الأحرف السبعة مباشرة.
أقوال الرافضة وعقائدهم في الأحرف السبعة
أولًا: روايات أحاديث "الأحرف السبعة من طرق أهل البيت عند "الرافضة"
لقد مر معنا ذكر تواتر حديث الأحرف السبعة، وأن صحته قد ثبتت وبلغت أعلى درجات الصحة والثبوت، وأنه قد نُقِلَ متواترًا بإجماع أهل العلم الثقات، وبلوغه حد التواتر يفيد العلم اليقيني المقطوع بثبوته وصحته، كما بينا أنه مروي عن نيِّف وعشرين صحابيًا، وقد رواه عنهم إماما المحدثين البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة بإجماع جماهير أهل
(١) - شرح السنة: للبغوي: (٣/ ٤٥).
(٢) - رواه الترمذي، كتاب القرآن ح (٩).، وأخرجه أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رقم (٢٣٤٤٦)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: صحيح لغيره، إسناده حسن.