وقال ابن سعدي (ت: ١٣٧٦ هـ) - رحمه الله -:
أي: عدلا خيًار. وما عدا الوسط، فالأطراف داخلة تحت الخطر. فجعل الله هذه الأمة وسطًا في كل أمور الدين. وسطًا في الأنبياء، بين من غلا فيهم كالنصارى، وبين من جفاهم كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك. (١)
وحول هذا المعنى جاءت كلمات أئمة التفسير وسادة التحبير.
مفهوم الوسطية في السنة المطهرة:
كما وردت أحاديث صحاح في السنة المطهرة تؤيد وتؤكد معنى الوسطية الواردة في قوله تعالى: (أمة وسطًا)، ومن ذلك ما ثبت عند البخاري مِنْ حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ، قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ). (٢)
كمال وسطية أهل السنة من كل وجه:
وتتضح وسطية أهل السنة بين سائر الفرق بأنهم: وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى: بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج. (٣)
فالمسلمون هداهم الله بكتابه ورسوله لما اختلفوا فيه من الحق قبلهم، وجعلهم وسطًا عدلًا خيارًا؛ فهم وسط في توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي الإيمان برسله وكتبه، وشرائع دينه من الأمر والنهي والحلال والحرام. (٤)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٥ هـ) - رحمه الله -:
وهذا الصراط المستقيم هو دين الإسلام المحض، وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو "السنة والجماعة"، فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض … وهذه الفرقة الناجية "أهل السنة" وهم وسط في النحل؛ كما أن ملة الإسلام وسط في الملل. (٥)
(١) - تفسير ابن سعدي: (ص: ٦٦).
(٢) رواه البخاري (٤٤٨٧).
(٣) يُنظر: الواسطية (١/ ١٠)، منهاج السنة (٥/ ١٧٢).
(٤) -الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (١/ ٦٩).
(٥) - مجموع الفتاوى (٣/ ٣٦٩).