وأي إعجاز أعظم من أن يكون كافة البلغاء عجزوا في الظاهر عن معارضة مصروفة في الباطن عنها". (١)
٨ - أبو الحسن الماوردي (ت: ٤٥٠ هـ) قال في أعلام النبوة
"الوجه العشرون من أوجه إعجازه: الصَّرْفة عن معارضته، واختلف من قال بها: هل صرفوا عن القدرة على معارضته مع دخوله في مقدورهم .. ؟ على قولين:
أحدهما: - إنهم صرفوا عن القدرة، ولو قدروا لعارضوا.
والقول الثاني: - إنهم صرفوا عن المعارضة مع دخوله في مقدورهم.
والصرفة إعجاز على القولين معًا … ".
ثم يقول:
" فإذا ثبت إعجاز القرآن من هذه الوجوه كلها، صح أن يكون كل واحد منها معجزًا، فإذا سائرها كان إعجازه أقهر، وحجاجه أظهر، وصار كفلق البحر، واحياء الموتى، لأن مدار الحجة في المعجزة إيجاد ما لا يستطيع الخلق مثله" (٢) ومثل ذلك يقوله في تفسيره النكت والعيون:
" فأما إعجاز القرآن الذي عجزت به العرب عن الإتيان بمثله، فقد اختلف العلماء فيه على ثمانية أوجه، إلى أن يقول: والثامن: أن إعجازه هو الصَّرْفة، وهو أن الله تعالى صرف هممهم عن معارضته، مع تحديهم أن يأتوا بسورة من مثله، فلم تحركهم أنفة التحدي، فصبروا على نقص العجز، فلم يعارضوه، وهم فصحاء العرب، مع توفر دواعيهم على إبطاله، وبذل نفوسهم في قتاله، فصار بذلك معجزًا لخروجه عن العادة كخروج سائر المعجزات عنها.
واختلف من قال بهذه الصَّرْفة على وجهين:
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه، ولو تعرضوا لعجزوا عنه.
والثاني: - أنهم صرفوا عن التعرض له، مع كونه في قدرتهم، ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه فهذه ثمانية أوجه، يصح أن يكون كل واحد منها إعجازًا، فإذا جمعها القرآن، وليس اختصاص
(١) - مقدمة جامع التفاسير: (ص: ١٠٤)، السيوطي: معترك الأقران في إعجاز القرآن: (١/ ٥ ـ ٦).
(٢) -الماوردي: أعلام النبوة: (ص: ٨٥ ـ ٨٦).