الإسلام، وبذلك نضمن عدم العبث بكتاب الله والحد من تلك التسجيلات التي لم ترتق إلى المستوى المطلوب من الاتقان والجودة، وما أكثرها.
المبحث الثاني: الضوابط القلبية عند تسجيل القرآن
وفيه أربعة مطالب:
إنه لمَّا كان من الأهمية بمكان بيان أهم المعايير والضوابط التي ينبغي أن تتحقق فيمن يُسَجَّل له القرآن، وهو "القارئ" الذي يجب أن تتوافر فيه مراعاة آداب التلاوة الظاهرة-والتي تشير غالبًا إلى الآداب الباطنة-، وجودة الأداء المطلوبة، كان لزامًا على الباحث مناقشة ومدارسة تلك الضوابط وفق الخطوات التالية:
المطلب الأول: الإخلاص في تلاوة القرآن
إن الإخلاص لله تعالى مطلبٌ عزيز، ومقصدٌ نفيس، وهو دليل صلاح العبد وصدق نيته وصلاح طويته وزكاة نفسه، وسلامة إيمانه، وصدق يقينه، وهو مطلب
من أعظم مطالب الدين، وإن مراعاة جانب الإخلاص لله تعالى في تلاوة القرآن من أعظم الأمور التي حث عليه الشرع المطهر، ذلك لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان لوجهه خالصًا ولشرعه موافقًا، ومن ذلك تلاوة القرآن، التي هي من أجل العبادات، والعبادات مبناها على الإخلاص لله تعالى؛ كما قال ربنا سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة: ٥).
المطلب الثاني: التخويف من قراءة القرآن لغير الله
ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته وخوفها أيما تخويف فقال في ذلك فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: "إنَّ اللهَ تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامةِ، ينزلُ إلى العبادِ (١)، ليقضيَ بينهم، وكلُّ أمةٍ جاثيةٌ، فأولُ من يُدعى به رجلٌ جَمَعَ القُرْآنَ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيلِ اللهِ، ورجلٌ كثيرِ المالِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ للقارئ: ألم أُعلِّمْك ما أَنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فما عملتَ فيما علمتَ؟ قال: كنتُ أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ له: كذبتَ، وتقولُ له الملائكةُ: كذبتَ، ويقولُ اللهُ تبارك وتعالى: بل أردتَ أن يقالَ: فلان قارئٌ، وقد قيل ذلك ويُؤتى بصاحبِ
(١) - وهو نزولًا على الحقيقة يليق بذاته العلية، وهذا هو معتقد أهل السنة، كما هو معتقدهم في سائر صفات الرب جل في علاه -إثباتها على الحقيقة- على وجه يليق بذاته تعالى بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما قال ربنا: (ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: ١١)