وهذا الوصف الذي اتصف به زيد يجب أن يتصف به كل من يقوم على في كل عهد من عهوده-كذلك-، وإن كان الوصف نسبيًا بين وصف الصحابي ووصف غيره. ولا شك أن الجمع الرابع" الجمع الصوتي" يندرج تحت مسمى "الجمع".
المطلب الثاني: موقف الصحابة - رضي الله عنهم- من العمل بالقرآن
لقد أنزلَ الله تعالى القرآنَ على رسوله الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلّمه أمته، وليكون منهاجًا لهم في حياتهم يتدارسونه ويعملون به، فيأتمرون بأوامره وينتهون عن نواهيه.
فعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا. (١)
قال السندي (ت: ١١٣٨ هـ) - رحمه الله-:
(حَزَاوِرَةٌ) جمع الحَزْوَر، ويقال له: الحزوَّر بتشديد الواو؛ هو الغلام إذا اشتد وقوي وحَزُم. كذا في الصحاح، وفي النهاية: هو الذي قارب البلوغ قوله: (فازددنا به) أي بسبب القرآن. (٢)
وفي نحو هذا الأدب يقول أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: ٢٢٤ هـ) - رحمه الله-:
أن يحرص قارئ القرآن على أن يعمل بما قرأه من القرآن الكريم في حياته الدنيا حتى تكون التلاوة حجة له يوم القيامة وليست حجة عليه". (٣)
وهذه هي الحال التي وصفها ابن عمر (ت: ٧٣ هـ) - رضي الله عنهما- بقوله:
لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَإِنَّ أَحْدَثَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ فِيهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ. (٤) .. (٥)
(١) - رواه ابن ماجه (٦١)، وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه (١/ ٣٧ - ٣٨).
(٢) - حاشية السندي (١/ ٣١).
(٣) - فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص: ٥١، ٧٥)، البرهان (١/ ٤٤٩: -٤٧٤). فضائل القرآن: المؤلف: أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: ٢٢٤ هـ) تحقيق: مروان العطية، ومحسن خرابة، ووفاء تقي الدين الناشر: دار ابن كثير (دمشق - بيروت) الطبعة: الأولى، ١٤١٥ هـ -١٩٩٥ م.
(٤) -بفتح الدال المهملة بعدها قاف مفتوحة وهو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص وقيل: هو أردأ التمر، غريب الحديث لإبراهيم الحربي (٢/ ٨٨٩) والنهاية لابن الأثير (٢/ ١٧٢).
(٥) - رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (٤/ ٨٤)، رواه الحاكم في المستدرك (١/ ٣٥)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً، ووافقه الذهبي، وصححه ابن منده في " الإيمان " (١٠٦)، والهيثمي في " مجمع الزوائد " (١/ ١٧٠).