الْمَانِع الَّذِي يمْنَع مِنْهُ تضمّنت الْآيَة بَيَان ذَلِك كلّه بأوجز لفظ وأبينه وأدلّه على المُرَاد فَقَوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى} اشار إِلَى مَا تقدّم من أوّل السُّورَة الى هَهُنَا وَهَذَا هُوَ المؤثّر وَقَوله {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فَهَذَا هُوَ الْمحل الْقَابِل وَالْمرَاد بِهِ الْقلب الحيّ الَّذِي يعقل عَنْ الله كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا} أَي حيّ الْقلب وَقَوله {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أَي وجَّه سَمعه وأصغى حاسّة سَمعه إِلَى مَا يُقَال لَهُ وَهَذَا شَرط التأثّر بالْكلَام وَقَوله {وَهُوَ شَهِيدٌ} أَي شَاهد الْقلب حَاضر غير غَائِب.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة الدينوري (ت: ٢٧٦ هـ) - رحمه الله-:
اسْتمع كتاب الله وَهُوَ شَاهد الْقلب والفهم لَيْسَ بغافل وَلَا ساه وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَانِع من حُصُول التَّأْثِير وَهُوَ سَهْو الْقلب وغيبته عَنْ تعقّل مَا يُقَال لَهُ وَالنَّظَر فِيهِ وتأمّله فَإِذا حصل الْمُؤثر وَهُوَ الْقُرْآن وَالْمحل الْقَابِل وَهُوَ الْقلب الْحَيّ وَوجد الشَّرْط وَهُوَ الإصغاء وانتفى الْمَانِع وَهُوَ اشْتِغَال الْقلب وذهوله عَنْ معنى الْخطاب وانصرافه عَنهُ إِلَى شَيْء آخر حصل الْأَثر وَهُوَ الِانْتِفَاع والتذكّر. (١)
المبحث الخامس: تحسين الصوت بالتلاوة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: صفة تحسين الصوت بالتلاوة
القرآن كلامُ الله، أنزلَه على قلبِ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ليقرأَه على الناس على مُكْثٍ؛ كما قال ربنا: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء: ١٠٦)، و قال له ربه: (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا) (المزمل ٤)
قال القرطبي (ت: ٦٧١ هـ) - رحمه الله- في تفسيره:
والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها: إذا كان حسن التنضيد. (٢)
وحينما يُتلى القرآن تصغى له آذان المؤمنين، فَتَنْقَاد له قلوبهم وتخشع، وتهتدي لأوامره نفوسهم وتخضع، ولا سيما إن كانت تلاوته من صوت حسن يرتل آياته ويخشع.
ولقد دلت نصوص السنة على الترغيب في تَحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم، فمن حَسَّنَ صوته بالقرآن من غير تكلف ولا تعسف امتثالًا لأمر الشرع المطهر فنِعِمَّا فعَل، وقد اقتدى وامتثل، فقد روى الشيخان من حديث أبي
(١) - الفوائد، لابن القيم: (ص: ٣).
(٢) - تفسير القرطبي: (١٩/ ٣٧).